بقلم: فاروق غانم خداج
مدرس ومنسق ومدقق لغوي، كاتب له إسهامات بارزة باللغتين العربية والإنجليزية.
الأرض في العقيدة الدرزية:
الوفاء للموطن واجب ديني
منذ نشأة طائفة الموحدين في بدايات القرن الحادي عشر، شكّل الدروز نموذجًا فريدًا لطائفة دينية استطاعت أن توفّق بين التشبث بأرضها وحماية وجودها، وبين المحافظة على الانتماء الأوسع إلى الأمة الإسلامية والعربية التي نشأت في حضنها.في الوجدان الدرزي، تعتبر الأرض أكثر من مجرد موطن جغرافي؛ فهي رمز للهوية، وميدان للجهاد في سبيل الكرامة. وتشير الكتب الدرزية، وفي مقدمتها القرآن ورسائل الحكمة، إلى أن الدفاع عن الأرض والعرض واجب مقدس، يُعبّر عن الوفاء لله، وللوطن، وللأمة.ولهذا السبب، تجد الموحدين أينما حلّوا، من جبل العرب في سوريا إلى جبل لبنان إلى الجليل والكرمل في فلسطين، يقفون دومًا كخط الدفاع الأول عن مناطقهم، رافضين أي احتلال خارجي أو تهديد داخلي.
الموحدون الدروز في قلب الإسلام:
ارتباط لا ينقطع
رغم خصوصيتهم المذهبية، يعتبر الدروز أنفسهم طائفة إسلامية توحيدية، تنتمي إلى التيار الروحي الذي بزغ في قلب الحضارة الإسلامية.ويجلّ الدروز الصحابي سلمان الفارسي، الذي يرون فيه رمز الحكمة الإسلامية، كما يقدّرون شخصيات محورية في التراث الإسلامي مثل الإمام علي بن أبي طالب، الذي يعتبرونه قدوة في الفروسية والتقوى.وعلى امتداد تاريخهم، شارك الدروز في الدفاع عن الأمة الإسلامية:
في معركة حطين (1187م) قاتلوا تحت راية صلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس.
خلال حكم المماليك، حموا سواحل الشام من الغزاة الصليبيين.
وفي الثورة السورية الكبرى (1925)، قاد سلطان باشا الأطرش مقاومة الاحتلال الفرنسي، جامعًا كل الطوائف تحت شعار «الدين لله والوطن للجميع».
نموذج الدروز في إسرائيل:
حماية الأرض دون تفريط بالهوية
في فلسطين المحتلة، خاصة في الجليل والكرمل، يجد الدروز أنفسهم أمام معادلة دقيقة:
يتمسكون بالدفاع عن القرى والجبال التي عاش فيها آباؤهم، ويرون في حماية الأرض واجبًا لا يُفرّط فيه، حتى في ظل الدولة الإسرائيلية.
وفي نفس الوقت، يُصرّون على أن هذا الولاء للأرض لا يعني تنكرهم لانتمائهم العربي والإسلامي.
وقد برز هذا الموقف في مناسبات كثيرة:
رفضهم قانون القومية الإسرائيلي الذي ينكر حقوقهم كعرب.
استمرارهم في التواصل مع إخوانهم الدروز في سوريا ولبنان، والدفاع عن القضايا العربية، وعلى رأسها فلسطين.
الابتعاد عن الفتن والقرب من كل المذاهب
من أبرز سمات الطائفة الدرزية عبر التاريخ الابتعاد عن الصراعات الطائفية، والقرب من كل المذاهب الإسلامية:
في لبنان، حافظوا على علاقات متينة مع السنة والشيعة والمسيحيين، خاصة في مرحلة الزعيم كمال جنبلاط.
في سوريا، ظلوا قريبين من الدولة المركزية، ورفضوا كل مشاريع التقسيم.
وفي فلسطين، سعوا لبناء جسور تواصل مع المسلمين والمسيحيين، مؤكدين أن العدو المشترك هو الاحتلال، لا اختلاف المذاهب.