تَسْبِيحٌ 🍂

الكاتب عماد الاعور

يا رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ،يا مَنْبَعَ النُّورِ الَّذِي تَتَفَتَّحُ بِهِ أَسْرَارُ الوُجُودِ،حِينَ أَذْكُرُ اسْمَكَ، يَنْبِضُ قَلْبِي كَوَتَرٍ سَرْمَدِيٍّ،يَعْزِفُ أَلْحَانًا لَيْسَتْ مِنْ عَالَمِ البَشَرِ،بَلْ هِيَ نَبَضَاتُ الأَزَلِ تَتَرَدَّدُ فِي أَرْوِقَةِ المَلَكُوتِ.
مُوسِيقَى خَلَقْتَهَا بِأَمْرِكَ،رَنَّمَتْهَا أَرْوَاحُ المَلَائِكَةِ بِأَصْوَاتٍ خَفِيَّةٍ،تَنْقُلُهَا النَّسَائِمُ وَهِيَ تُدَاعِبُ أَغْصَانَ الشَّجَرِ،وَتَرْقُصُ أَزْهَارُ الوِدْيَانِ عَلَى أَصْدَاءِ مَجْدِكَ المُسْتُورِ.
حِينَ تَمْلَأُ ذِكْرَاكَ أَرْكَانَ نَفْسِي،تَتَسَاقَطُ رَقَائِقُ الثَّلْجِ كَحُرُوفٍ تُخَطُّ عَلَى صَفْحَةِ الزَّمَانِ،تَرْقُصُ مَعَ أَنْفَاسِ المَسَاءِ بِنَقَاءِ يُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ،وَالمَغِيبُ يَا رَبِّي، بِأَلْوَانِهِ العَمِيقَةِ،كَأَنَّهُ مِرْآةٌ تَعْكِسُ فَيْضَ نُورِكَ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ.
الغُيُومُ تَتَرَاكَضُ كَأَطْفَالٍ نَحْوَ رَحْمَتِكَ الوَاسِعَةِ،وَالكَوَاكِبُ تَسْبَحُ فِي أَفْلَاكِهَا بِتَسْبِيحٍ سَرْمَدِيٍّ،وَكَأَنَّهَا تَرْقُصُ عَلَى أَنْغَامِ لَحْنٍ أَبَدِيٍّ رَسَمْتَهُ فِي كِتَابِكَ الأَزَلِيِّ.أَنْتَ يَا اللَّهُ، مَنْ جَمَّلَ الكَوْنَ بِالتَّنَاغُمِ،فَكُلُّ ذَرَّةٍ فِيهِ تَشْهَدُ لِوَحْدَانِيَّتِكَ،وَكُلُّ صَوْتٍ فِيهِ يَعْلُو بِمَدِيحِكَ.
يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ،أَنْتَ مَنْ جَعَلْتَ قَلْبِي صَفْحَةً بَيْضَاءَ،تُخَطُّ عَلَيْهَا أَلْحَانَ العِشْقِ السَّمَاوِيِّ،أَنْتَ يَا مَنْ يَسْكُنُ فِي نَبَضَاتِ الأَفْئِدَةِ،تَجْعَلُ الحُزْنَ سَلَامًا، وَالتَّعَبَ سَكِينَةً،وَتُحَوِّلُ الضَّيَاعَ إِلَى هِدَايَةٍ،وَالخَوْفَ إِلَى يَقِينٍ يَشِعُّ بِنُورِكَ.
عَلَّمْتَنِي يَا رَبِّي،أَنَّ العِشْقَ لَيْسَ سِوَى رِحْلَةٍ إِلَى لِقَاءِ وَجْهِكَ الكَرِيمِ،وَأَنَّ الخُلُودَ لَيْسَ سِوَى هَمْسَةٍ مِنْ أَبَدِكَ اللَّامُتَنَاهِي.فِي ذِكْرَاكَ تَكْتَمِلُ أَنْغَامُ الوُجُودِ،وَفِي رِضَاكَ يُصْبِحُ كُلُّ شَيْءٍ صَدًى لِنُورِكَ الَّذِي يَفِيضُ بِلَا حُدُودٍ.
ابْقَ فِي رُوحِي حَاضِرًا أَبَدِيًّا،وَاجْعَلْ حَيَاتِي نَغْمَةً تُنْسَجُ فِي سِيمْفُونِيَّةِ وَحْدَانِيَّتِكَ،فَمِنْكَ النُّورُ الأَوَّلُ، وَالمَحَبَّةُ الَّتِي مِنْهَا انْبَثَقَ كُلُّ شَيْءٍ،وَأَنْتَ الخَاتِمَةُ الَّتِي إِلَيْهَا تَرْتَحِلُ الرُّوحُ.
رِضَاكَ، يَا رَبِّي،هُوَ كُلُّ مَا يَرْوِي عَطَشَ القَلْبِ،وَكُلُّ مَا تَحْتَاجُهُ النَّفْسُ فِي رِحْلَتِهَا الأَبَدِيَّةِ.

@جميع الحقوق محفوظة