الكاتب عماد الاعور
يا مَن كُنتِ مِن انبثاقِ النُّورِ الأَوَّلِ الذي أبدَعَهُ اللهُ، وَفِي البِدْءِ كَانَتِ الكَلِمَةُ، وَصَدًى لِفِعلِ الخَلقِ الأَزَلِيِّ، ويا مَن أضَحَيتِ صِلَةً بَينَ السَّمَاءِ فِي سُمُوِّها الرُّوحَانِيِّ وَالأَرضِ، إِلَيكِ نَكتُبُ رِسَالَتَنَا، يَا ضِلعَ جَوهَرِ الوُجُودِ وَسِرَّ الخَلقِ الأَعظَمِ.
أَيَّتُهَا الكَلِمَةُ، أَنتِ لَستِ مَجَرَّدَ أَصْوَاتٍ تَتَرَدَّدُ أَوْ حُرُوفٍ تُكْتَبُ عَلَى الوَرَقِ. أَنتِ تَفْعِيلُ فِعْلِ الخَلْقِ الأوَّلِ، الصَّدَى لِلنُّورِ الَّذِي أَخْرَجَ الوُجُودَ مِنَ العَدَمِ، وَأَيْقَظَ السُّكُونَ إِلَى حَرَكَةٍ لَا تَنْتَهِي. بِمَنِّهِ وَبِكِ كَانَ العَدْلُ، وَبِصِدْقِكِ اسْتَقَامَ مِيزَانُ الحَقِّ.
يَا أَيَّتُهَا الكَلِمَةُ، جِسرَ الرُّوحِ وَصَوتَ الحَقِّ،فِيكِ التَقَتِ المَادَّةُ بِالرُّوحِ، وَاتَّحَدَ العَقلُ مَعَ القَلبِ بالفُؤادِ. أَنتِ النَّبضُ الَّذِي يَنبَعِثُ فِينَا حِينَ نَبحَثُ عَنِ الخَالِقِ، وَأَنتِ الوَسِيلَةُ الَّتِي بِهَا نَصعَدُ إِلَى النُّورِ. حِينَ نَقُولُكِ بِصِدقٍ، فَإِنَّنَا نُعِيدُ صَدَاكِ إِلَى أَصلِكِ السَّمَاوِيِّ، وَحِينَ نَنطِقُكِ بِحُبٍّ، فَإِنَّنَا نَصنَعُ عَالَمًا أَكثَرَ نُورًا وَعَدلًا.
فِيكِ أَمَانَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِيكِ مَسؤُولِيَّةٌ أَكبَرُ.يَا أَيَّتُهَا الكَلِمَةُ، مَا نَنطِقُهُ بِكِ لَيسَ مَجَرَّدَ صَدًى لِلأَفوَاهِ، بَل هُوَ عَهدٌ مَعَ الحَيَاةِ وَمَعَ اللهِ. فَأَنتِ الَّتِي تَبنينَ الجُسُورَ، وَلَكِنَّكِ أَيضًا الَّتِي قَد تَهدِمِينَهَا.
الكَلِمَةُ العَادِلَةُ تَصنَعُ السَّلَامَ، وَالكَلِمَةُ الظَّالِمَةُ تَزرَعُ الحُرُوبَ.
يَا حَافِظَةَ العُلُومِ وَحَارِسَةَ الحِكمَةِ،أَنتِ ذَاكِرَةُ البَشَرِيَّةِ وَمِرآةُ تَطَوُّرِهَا. بِكِ حُفِظَت عُلُومُ الأَوَائِلِ، وَبِكِ نُقِلَتِ الأَفكَارُ عَبرَ العُصُورِ. أَنتِ الَّتِي أَعطَتِ الإِنسَانَ القُدرَةَ عَلَى فَهمِ الكَونِ، عَلَى تَدوِينِ الفِقهِ وَالفَلسَفَةِ، عَلَى نَسجِ الشِّعرِ وَخَلقِ الأَدَبِ.
بِكِ كَتَبَ الحُكَمَاءُ حِكمَتَهُم، وَنَقَلَ الأَنبِيَاءُ رِسَالَاتِهِم، وَصَاغَ المُفَكِّرُونَ أَعظَمَ أَفكَارِهِم. أَنتِ أَدَاةُ الكَشفِ وَالإِبدَاعِ، وَأَنتِ الحَقلُ الَّذِي تَنبُتُ فِيهِ بُذُورُ الفِكرِ، لِتُثمِرَ شَجَرَةً مِنَ الحِكمَةِ وَالمَعرِفَةِ.
أَنتِ مُعجِزَةُ الأَديَانِ، وَحَامِلَةُ رِسَالَةِ السَّمَاءِ،بِكِ وَصَلَ كَلَامُ اللهِ إِلَى عِبَادِهِ، وَبِكِ فَهِمَ الإِنسَانُ شَرِيعَةَ الخَالِقِ. بِكِ انفَتَحَت أَبوَابُ الرَّحمَةِ، وَأُرِسَت دَعَائِمُ العَدلِ. كُنتِ الوَسِيطَ بَينَ الأَرضِ وَالسَّمَاءِ، بَينَ العَقلِ وَالنُّورِ، بَينَ الإِنسَانِ وَجَوهَرِهِ الأَعمَقِ.
يَا مَنَارَةَ الفَلسَفَةِ، وَرَفِيقَةَ الصَّمتِ، وَعُمقَ التَّأَمُّلِ،أَنتِ الحَقلُ الَّذِي يُثمِرُ فِيهِ الفِكرُ، وَأَنتِ الصَّمتُ الَّذِي تَتَفَتَّحُ فِيهِ المَعَانِي.
بِكِ نُعِيدُ تَشكِيلَ العَالَمِ، وَبِكِ نُوَاجِهُ مَا لَا يُمكِنُ التَّعبِيرُ عَنهُ. أَنتِ النُّورُ الَّذِي يَكسِرُ حُدُودَ الصَّمتِ، وَأَنتِ التَّجسِيدُ المَادِّيُّ، الَّذِي يُلمَسُ وَلَا يُلمَسُ، لِلحَقِّ غَيرِ المَحدُودِ.
لَكِنَّنَا نُدرِكُ عَظمَةَ أَمَانَتِكِ، وَنُعَاهِدُكِ عَلَى الوَفَاءِ.سَنَسعَى أَن تَكُونِي دَائِمًا كَلِمَةَ صِدقٍ، كَلِمَةَ عَدلٍ، كَلِمَةَ مَحَبَّةٍ وَسَلَامٍ. لَن نَنطِقَكِ إِلَّا بِمَا يُرضِي الضَّمِيرَ، وَلَن نَكتُبَكِ إِلَّا بِمَا يَعكِسُ نُورَ الحَقِّ وَالخَيرِ.
أَيَّتُهَا الكَلِمَةُ، رَمزَ الإِبدَاعِ وَصَوتَ المَحَبَّةِ،بِكِ نُبدِعُ الشِّعرَ وَالأَدَبَ، وَنَصُوغُ القَصَصَ الَّتِي تُخَلَّدُ عَبرَ الزَّمَنِ. أَنتِ الحُلمُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ حِينَ تَتَحَوَّلُ الأَفكَارُ إِلَى كَلِمَاتٍ تُكتَبُ، وَالأَرواحُ الفِكرِيَّةُ إِلَى مَعَانٍ تُحكَى. أَنتِ الحَرفُ الَّذِي يُعِيدُ تَشكِيلَ الوُجُودِ، وَاللُّغَةُ الَّتِي تُوَحِّدُ الأَنفُسَ.
يَا أُمَّنَا الحَنُونَ، وَمَشكَى الضَّيمِ، وَدُعَاءَ القَلبِ،أَنتِ السِّلَاحُ الَّذِي يُوَاجِهُ الظُّلمَ، وَالطَّبِيبُ الَّذِي يُدَاوِي الجِرَاحَ. بِكِ تُبنَى العَلَاقَاتُ، وَبِكِ تُشفَى الأَرواحُ المُتَكسِّرَةُ بِالأَنفُسِ. أَنتِ النَّبضُ الَّذِي يُحيِي الأَمَلَ، وَالصَّوتُ الَّذِي يُنَادِي بِالرَّحمَةِ.
إِلَيكِ شُكرُنَا العَمِيقُ وَامتِنَانُنَا الخَالِدُ.شُكرًا لِأَنَّكِ أَدَاةُ الخَلقِ الفِكرِيِّ وَالإِبدَاعِ. شُكرًا لِأَنَّكِ مِرآةُ الحَقِّ وَالخَيرِ. شُكرًا لِأَنَّكِ حَفِظتِ العِلمَ وَالدِّينَ وَالفِكرَ، وَحَمَلتِ الحِكمَةَ عَبرَ الزَّمَنِ.
بِكِ نَكتُبُ الحَيَاةَ، وَبِكِ نَحيَاهَا. سَنَحمِلُكِ دَائِمًا بِصِدقٍ وَعَرفَانٍ، وَنَجعَلُكِ سَفِيرَةَ الخَيرِ، رَسُولَ الحُبِّ، وَصُورَةَ النُّورِ فِي عَالَمٍ يَحتَاجُ إِلَيكِ أَكثَرَ مِن أَيِّ وَقتٍ مَضَى.
مَعَ أَسمَى مَعَانِي الشُّكرِ وَالتَّقدِيرِ،السَّائِرُونَ فِي طَرِيقِ النُّورِ.
@جميع الحقوق محفوظة