الأزمة تولد المشاريع: مصنع للمعكرونة في بيصور مادته الأولية قمح البقاع

عامر ملاعب - 12-4-2021

تتراكم نتائج الأزمة الاقتصادية اللّبنانية بشكلٍ غير مسبوق، وتنكشف كلّ القطاعات على حالة هزال وتدهور كبيرين ما ينذر حتمًا بانفجارات إجتماعية وسياسية وثقافية وأخلاقية لا تبقي ولا تذر، وهي نتيجة طبيعية ومنطقية لعقود من السياسات والمشاريع المدمّرة.

هذه المقدمة العادية لتوصيف أزمة غير عادية دفعت الكثيرين لطرح سؤال: ما الحل وما هو البديل؟ وكيف يمكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟.

بالطبع الحديث عن الإنقاذ وضمان الأمن الغذائي وتعزيز الإنتاج الوطني وتخفيض فاتورة الاستيراد يحتاج لمشروع دولة وسياسات عامة شاملة، ولكن غياب الرؤية الرسمية دفع القطاع الخاص والمشاريع الفردية للمبادرة والتقدّم نحو خلق فرص للعمل والإنتاج، وهذا ما قام به مجموعة من الشباب في بلدة بيصور – قضاء عاليه، وبعضهم كان يقيم في إيطاليا.

على أطراف البلدة وفي منطقة حرجية تظلّلها أشجار الصنوبر وتحيطها مروجٌ خضراء، وبدعم من بلدية بيصور، تعمل المجموعة على تجهيز مصنع لإنتاج المعكرونة تحت إسم “دل ليبانو”. وهذه الفكرة بدأت حين انفجرت الأزمة الاقتصادية وتدهور الوضع المعيشي، والسؤال العام يقول “ماذا علينا أن نفعل؟ هل من بدائل؟؟”.

المشروع ينطلق من قاعدة أساسية وهي حاجة السوق اللّبناني لمنتج وطني ومادة غذائية رئيسية لكلّ طبقات وفئات المجتمع، وللمفارقة أنّه لا يوجد في لبنان إلّا مصنع وحيد لإنتاج المعكرونة، بينما هذا المشروع يخطّط لإنتاج خمسة أصناف من المعكرونة الجيّدة جدًا وبالمواصفات العالمية.



المادة الأولية الرئيسية للتصنيع ستكون من القمح القاسي، المنتج الرئيسي في سهل البقاع، أي أنّ المادة الأوّلية من الإنتاج الزراعي الوطني دون الحاجة للاستيراد من الخارج، وكذلك ستكون اليد العاملة اللّبنانية المحليّة هي الوحيدة في العمل، ويتم بناء المصنع بمواصفات ومعايير عالمية وتجهيزه بأحدث وسائل الإنتاج، وبمواصفات صحيّة عالية (14% بروتين وهي أعلى قيمة غذائية) وهي مطابقة لمواصفات المعكرونة المصنوعة يدويًا، ومطاحن القمح في داخل المشروع كونه يحتاج القمح القاسي لمطاحن خاصة، ويعتمد التجفيف البطيء الذي يحتاج مدّة 18 ساعة وفقًا لأعلى معايير الجودة.



ما يميز المشروع أنّه يعتمد على المواد الأوّلية المحلّية وعلى رأسها القمح القاسي المنتج في سهل البقاع (بلغ إنتاج لبنان نحو 40 ألف طن في العام 2019)، وهذا النوع من القمح لا يُستخدم في صناعة الخبز بل في صناعة البرغل والباقي للتصدير إلى الخارج لصناعة المعكرونة.


يفترض القيّمون على المشروع أن يؤمّن عددًا من فرص العمل المباشرة، وما يستتبع ذلك من فرص عمل في دورة اقتصادية متكاملة من المزارع والسائق والصناعي إلى الموزّع والبائع ومن ثمّ المستهلك.

أمّا الأهم في هذا المشروع أنّه “صناعة نظيفة بصفر تلوث” وبالنسبة للقيّمين عليه إنّه حافزٌ على الحفاظ على بيئة نظيفة في محيطه، وقد أقيم في منطقة ذات مدى حيوي أخضر ومتنوّع أيكولوجيًا ولا يجوز أن تتسبب بالأذى له بمشاريع ملوّثة ولو كانت منتجة ورابحة ماديًا.

إنّها معركة وجودنا كبشر في هذه البقعة من العالم التي تستحق العيش بكرامة واكتفاء ذاتي وأن “نأكل مما نزرع ونصنع”، هي تجربة من تجارب التحفيز على الإنتاج الوطني، وتشجيع المبادرات الشبابية فهل تلقى الدعم الشعبي باعتماد الصناعة الوطنية للاستهلاك قبل أن نتحدّث عن الدعم الرسمي وتحفيز الإنتاج الوطني؟ 

هي تجربة جديرة بالاهتمام والمراقبة والدعم