كتب الدكتور فاروق القاسم في أدب البيدر
نُزولاً عِند رغبة الكثيرين مِن الأصدِقاء بِنشر مقالات عن الماضي، الذي هو صورة حقيقية عن حياة مُعظم ذلِكَ الرعيل، وهي واقِع نمطي تقريباً لِكُل الذين عاصروا حقبَة الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات مِن هذا القرن، لِأن عالم التواصُل هذا وكُل هذِهِ الثورة الحضارية لا يتجاوز عُمرها الخمسة عشر عاماً، وفي الحقيقة، إن حياة كل واحد منّا هي قصة وحكاية شيّقة، تصلُح لِإن تكون مُسلسلاً مكسيكيّاً أو تُركيّاً، تزيدُ عدد حلقاتَهُ عن المائة، ولا يمكن حصرُها بِمجرد فيلم سينمائي.
عام 1990 كان بِالنسبة لي مُنعطفاً تاريخيّا، انتقلتُ فيه مِن الحقل والبيدر الى أعظم عالم، في الفكر والسياسة والاقتصاد والاعلام والثورة الصناعية.
كان ذاكَ العام عامِراً بالأحداث، غنيّاً بِالمواسِم، والأمطار والبركة والحصاد، لن أدخُل بِتفاصيل الحصيدة الطويلة ولياليها الصعبة، وعذابات سرواتهَا قبل مُنتصف الليل، سأقفِزُ الى البيدر فوراً، الذي كان يبعُد حوالي 2 كيلو متر غرباً في رسوم العرب، عن دارنا القديمة، حيثُ مقام النبي هابيل، عليه السلام، والتي كُنّا نختزِنُ فيها الحبوب، في "الكواير" الصوامع، وحيثُ يجمعُ فيها الوالِد الكريم البطل أبو فيصل كُل الأدوات الزراعية، مِن عود الفِلاحة،، المِحراث القديم، الى الشاعوب والمذراية، والرحت، والنير والكدّانة، ولوح الدراس، وشاغر الجمل والسيقل، وماعوس المدحلِة، وخياش التبن وأكياس الحبوب، وغيرها مِما يعرِفهُ الفلاحون في القُرى.
المُهم ... أذكُر سنتها أن البركَة فاضت في بيتنا وفي بيوت كل الفلاحين، حيثُ جاءنَا 26 قاطِرة قمح، و5 قاطرات حُمص وقاطِرتا عدس، و3 شعير، وكما يُقال: "كثرت الزبدة ع العرب" والعرب هنا تعني البدو. خِلال موسِم الحصاد، كُل أخوتي وأخواتي يعملوا، لكِن عِند البيدر، كان أخوتي الشباب، وكُلهم يصغرونني سنّاً، ما عدا أخانا وأُستاذنا الكبير، تاج رأسنا، فيصل، حيثُ كان بدَأ مسيرتهُ الإعلامية في لندن، والشباب المذكورين كانوا جميعاً في المُعسكرات الجامعية الصيّفية، في بلدات ضمير والديماس من ريف دمشق، وضواحي تدمُر شرقاً، ودِمشق غرباً، في هذهِ الأثناء، وفيما نحنُ مُنهمِكون في غلّة البيدر، طلبَ مني أخي فيصل أن أتقدم لِلحصول على فيزا إلى لِندن.
جمعتُ الأوراق المطلوبة، وذهبتُ إلى السفارة بِدِمشق، التفاصيل كثيرة جداً جداً، عِندما دخلتُ مبنى السفارة، طلبتَ مِني مُوظفة في قسم الاستقبال، جميلة جداً جداً، دِمشقيّة، تُدعى "روعة" وهي روعة فعلاً في الجمال، سُبحان العاطي الوهاب، أرجو أن تكون بألف خير الآن، طلبت مِني الجلوس، وكانت قمّة في الأدب واللباقة، سألتني عن كُل شيء، واطّلعت على كُل الأوراق، لِكنها نصحتني بِكُل صدق أن لا أتقدم، لِإن الحصول على التأشيرة حينهَا كان أشبه بِالمُستحيل، ما سيؤدي إلى خسارة مبلغ 500 ليرة سوري في ذاك الوقت، وهُو مبلغ كبير جداً بِالنسبة لِطالب، ابن فلاّح، والمبلغ أصلاً كان قرضة مُستدان من عمي الأمين الشريف أبي إسماعيل صقر، سيما وأن الغلّة ما زالت على البيدر ولم نبِع مِنها شيئاً.
وقفتُ أمامها حزيناً، مُحتاراً، وكان السفارة قد استأنفت لِلتو أعمالها في دِمشق، وذلِك بعد إِغلاقها عِدة سنوات، مِنذُ عام 1986، على خلفية قِصة نِزار هِنداوي، الأردُني الجنسية، واِتهامهُ بِمحاولة تفجير طائِرة تابِعَة لِشركة العال الإسرائيلية بِمطار (هي ثر و ) بلندن، واِتِهام دِمشق حينهَا بِدعم الإِرهاب العالمي وبِأنها ورَاءهُ. لسنا بِصدد السياسة الآن، فهي بِالنهاية نجاسة. المُهِم، أصرّت مُوظفة الإستقبال حينها روعة بِأن لا أتقدم، كي لا أخسر مبلغ ال 500 ليرة، وقالت، بأن قبلي كان هُناك سبعة أشخاص، ومُعظمهُم أثرياء، مِن أهم أحياءَ دِمشقَ، وأكثرها ثراءً، وتم رفضهُم، والله والله، لا أدري ماذا حدث، طبعاً، كُنت خائِفاً جِداً جداً جداً، مِن مُقابلة القُنصُل، وبعد نصيحة المُوظفة روعة، اِنتابني شُعور غريب، اِنتابتني ثِقة بِالنفس لم أشعُر بِها في حياتي، قُلت في نفسي، كما كان يُردِد عمي صقر، حفِظهُ الله وعافاه، هو الآن في ال 86 عاماً مِن عُمرِهِ، كان يقول: "يا الله عمي، كلوا فطاير بسكويت وراحة، هي خربانة خربانة" قُلت لِلمُوظفة، سأُقابِل القُنصُل، حتى لوّ تمّ الرفض، والعواض بوجهَ الله تعالى، يمكن ما يكون لي نصيب بهذا المبلغ.
استغربت روعة هذهِ الثِقة والإصرار المُفاجئ. طلبني القُنصُل، والله العظيم ثقتي بِنفسي لا تُزحزِحُها جِبال، جلستُ بِكُل هدوء، وثِقة وكِبرياء، نظر إليَّ القُنصل، وجعلتهُ يشعُر بِأنهُ هُو من يقِف أمامي ولستُ أنا، والله العظيم لم تطُل المُقابلة، أكثر مِن خمس دقائِق، أسئِلة بسيطة جداً ومُقتضبة، وأصلاً كُنتُ مُستعِداً لأتحمل الرفض وأمشي بِكُل ثِقة وهدوء، نظرَ إليَّ مِن خلف مكتبه، وقال لي حرفيّاً، وما زالَ صدى كلِماتهُ يرُن بِأُذنيّ، I’ll issue you the Visa,, tomorrow,, simply, because I trusted you Sir,, سأصدُر لك الفيزا غداً، بِبساطة لِأنني وَثِقتُ بِك. لم يقُل سِوى تِلك الكلِمات فحسب، يشهدُ الله يشهدُ الله، لا يُمكِن وصفَ شعوري حينها، وكأني حصلتُ على الفيزا إلى الجنة، شكرتهُ بِكُل لباقة، وخرجت.
كانت الأُخت روعة تنتظِرُني، والشماته في عينيها، ولم أخرُج إلا بِكُل تواضع ولباقة، قُلتُ لها مُبتسماً، باركيلي أُخت روعة، منحني السيد القنصل تأشيرةَ الدخول، ضحِكت بِسُخرية لِأنها تعرِف سلفاً بِأنني مرفوض كمن سبقني يومها، قالت فرجيني ع الرفض على جواز سفرك، قُلتُ لها جواز سفري بقي أمامهُ، لِأنهُ والله منحني الفيزا، وغداً ظُهراً الساعة الواحِدة سآتي لِاستِلامَ الجواز وعليه الفيزا، قالت والله مُستحيل، قُلت والله منحني إياها والحُمد لِلله وغداً عائِد لِاستِلامَ الجواز، أقسمت لي بِأنها مَوظفة عِندهُم مِنذ زمن وتقدمت بِطلب الحصول على فيزا الى إنكلترا، ورفضهَا القُنصُل 7 مرات، لمْ أجِد كلِمات والله أُعبّرُ فيها عن نفسي حينها، سِوى أنني تذكرتُ العِناية الِإلهيّة الخارقة.
عُدتُ في اليوم التالي على الموعِد، ووجدتُ جواز سفري أمامهَا، وفتحتُهُ بِلهفة لِأجِد الفيزا في الصفحة رقم 8، وهذا هُو رقمي المُفضّل في هذهِ الدُنيا، لا يُوجد شيء عبثي في الكون، هُناك حِكمَة لاهوتية في كل شيء. كان يوماً رُبما مِن أجمل أيام عُمري، وكما يُقال: "الخير والشر بالموالاي" أي إِن إِقبلت دُنياك تأتيك لِلدار، وإن أدبرت تقفي ولونك تطرده ع الهجينة، والهجينة هي الناقة.
توجهتُ الى المدينة الجامعية في دمشق، واحتفلتُ مع أغلى وأعز ناس على قلبي بِهذهِ المُناسبة في حديقة المدينة، وفي اليوم التالي توجهتُ نحو السويداء في باص السكانيا، ومِنه إلى كراجات الثعلِة، وصلت قريتنا في الساحة، وبعدها إلى منِزلنا عصراً، وجدتُ أختي الغالية آسيا تشطف البرندا، ووجهي ينضحُ نوراً وسعادةً،، سألتها، أين أهلي، قالت كُلهم على البيدر، والدي ووالدتي العظيمان، وأخوتي الصِغار، تركتُ الشنطة في المنزِل وتوجهتُ الى البيدر، والله وجدت صبّوراً مِن التُراب بِحجم تلّة، وهي تُرابيّة البيدر، جمعهَا والدي بِكفّيه الشريفتين، بِداخِلها حبوب القمح، لِيُغربِلها مِن أجل الحصول على "نقد للدجاجات" كان الغُبار على وجه والدي بِسماكةَ واحد سنتمتر، لا أُبالِغ، وجههُ رموشهُ ثيابِهُ، ووالدتي تجمعُ "الهفاف" تبن المشاريق بِالمذراية، قُلت لأِهلي: يا جماعة باركولي، حصلتُ على الفيزاااااااااا.
لم يأبه أحد لشيء وسط هذا الجوّ، أدركتُ حجم المُهمة المُلقاة على كتفي، ولمْ ألُم أحداً لِعدم اِكتِراثهِ والمُباركة لي كما ينبغي، فقط نظر إليّ والدي العظيم وكأنهُ نجا بِأعجوبة مِن انهيار جبل تُرابي، { أي يابا، قلت لي بِأنك حصلت على الفيزا، مبروك، لكن مين يابا اللي بدو يشيل هذا التبن كُله وينقلهُ على التبان؟ } قلتُ له: والله يا بيي ما راح سافر وأترك لك خيشة تبن واحدة على البيدر، التفاصيل كثيرة جداً. بدأنا بِعملية "التتبين" لِمدة أربعة أيام مُتتالية، كُل يوم 15 خيشة مِن الساعة الواحِدة ليلاً حتى الثانية ظهراً، كان والدي وأخي يُعبِئان لي الخياش على البيدر، وانا أحملّها على الحمار مع والدي، وأسوقها في وِحشة الليل بِجانب الوادي بين المقابر، مسافة حوالي 2 كيلو متر والله والله لم يختش قلبي لِوهلة، كنتُ أعلم بِأن العِناية الإلهيّة معي في كُل خُطوة، لكِن الشيء الذي لا يُصدق، أن الحمار الذي كُنت أنقُل عليه خيشة التبن كان مُتعاطفاً معي بِطريقة مُذهلة، عندما كُنتُ أصِل الى [المقرض] وهُو المكان الذي أضعُ عليه الخيشة، ويكونُ عادةً عِبارة عن نِصف برميل، مليء بِالحِجارة كي يكون ثابِتاً مكانهُ، أو صحّارة خشب ثخين، كنتُ أحمل الخيشة ويبقى الحِمار مكانهُ دون عقِالَ أبداً، يثبتَ في مكانهِ ليلاً نهاراً، ينتظِرني حتى أُفرغ الخيشة بالتبان من خِلال الروزنة وأعودُ إليه، وكان بِإمكانه أن يذهب ويختفي، لِكنهُ لا يتزحزح مِن مكانِهِ قيد أُنملة، تُرى، هل لِأنهُ حِمار، أم لِأنهُ في قرارةَ نفسهِ كان يُدرك حجم العذاب والتعب الذي أحمِلهُ أنا أيضاً ؟؟؟!!!
كان يتعين عليَّ أن أتطرّق لشيء يعرِفهُ الفلاحون، وهو أنهُ عِندما كان التبان يقترِب مِن الامتلاء، كيف أننا كنا نسقط من الروزنة، وهي فتحة في سقف التبان لتفريغ التبن ونبدأ بتحصيل التبن في زوايا التبان وكم صادفنا حينها من أفاعي تختفي في جُدرانِه المبّنية مِن الحجارة والطوب، كُنا نقومُ بِمهد التبن وركسه ِبأقدامنا، ونخرُج مِن الروزنة بِنشاط ولياقة عز َّ نظيرُها ويكُون الحِمار مكانهُ لم يتزحزح قيد أُنملة، وهل هذا مُجرد صُدفة ؟؟؟!!!
وفي ظهيرة نفس اليوم وعِندما صعدتُ السلم الخشبي وعند أعلاه علِقت خاصِرة الخيشة بِشيء غريب وشعرتُ بانهيار مِن ثقل الخيشة وكأن أحداً يشُدها لِلأسفل وكُدتُ أرميها أرضاً ولِلصُدفة مرَّ عليَّ عمي المرحوم صايل وراح يكيلُ لي الكلِمات القاسية مُعتقِداً أنني لستُ شاباً قوياً وأنني أعجزُ عن حمل الخيشة وعِندها طلبتُ في نفسي مِن الله أن يعينني وخِلال لحظة عندما اقترب عمي مِن السُلم كُنت قد نتعتُ الخيشة بِقوة مِما أدى الى اِنبِعاجها مِن خاصِرتها في الأسفل وانهال التبن مِنها على الأرض حيث تبيّن أن الوالِدَ وضعَ مِسماراً طويلاً في أعلى السُلم كان قد وجدهُ في الطريق حرصاً منه أن يحتاجهُ يوماً، عندها قال عمي المرحوم اعذُرنا عمي ظلمناك، والحق ع خيي مأيد انتهينا من "تقبيع البيدر" كما عاهدتُ والدي، لِأن رِضاه ورِضى الوالِدة يأتيان عندي بعدَ رِضى الله، ولا يُمكِن تجاهُلهُ أبداً أبداً، لِأنهُ سِر التيسير والتوفيق في الحياة، وهذهِ القيم لِلأسف شِبه انتفت في هذا الزمن.
بدأتُ التحضير لِلسفر، و والله إن التفاصيل تحتاج لِكُتُب وعلِمت إمرأة عجوز مِن المقرن الشرقي في الجبل، بأنني سأُسافِر الى لندن، عن طريق ولدها، الذي يدرُسُ الدكتوراة في الرواية الإنكليزية ، شمال بريطانيا، وجاءتَ لِزيارة أهلي ومعها صُرّة، فيها أشياء لا أعرِفُهَا بتاتاً، تزِنُ قُرابة الكيلوين، وطلبتَ مني أن أحمِلَها معي لِولدِها، قلث لها أبشري أبشري يا خالتي،،، وصلوا.
يوم سفري،، كان في وداعي بالمطار أكثر من عشرين شخصاً،، باص أوتوبيس كبير، والله العظيم كُنتُ أحمِل آمال وآلام الناس كُلها، كان وداعاً ثقيلاً، قبل الوداع بلحظات، حذفني والدي جانِباً، وقال لي: اسمع يابا: أريدُك مثل أخيك فيصل، أريد أن أرفع رأسي بك، إياك والحرام، إياك ، وإياك، وإياك، بكيتُ كثيراً، وقبلتُ جبينهُ، وقُلتُ لهُ ادع لي يا أبي، حانَ موعد الرحيل. لأول مرة في حياتي أصعد سُلّماً كهربائيّاً، بقيت ُ مُتجهاً للأهل والمودعين، إلى أن غابوا عني كُليّاً. وكما قال شاعر المهجر: مناديل ُ من ودعت ُ يخفقن َّ فوقهم فلا تُرهقيهم يا سفينة ُ اقلعي بعُدن فغشّاهنَّ دمعي كأني أراهنَّ من خلف ِ الزُجاج ِ المُصدع ِ معي في اليد شنطة فيها والله لا أبُالغ أكثر من عشرين كلغ، مليئة بالبسكوت والراحة، وشوكولاته العربي، وعلوك السهم من عند عمي صقر، وكأن لندن لا يُوجد فيها ما هو موجود في سوريا.
أول مرة أركب فيها الطائرة، وقبلها بعدة أيام كنت مع الحمار الذي ربُما كان وفيّاً معي جداً، لأنهُ كان يعلمُ بِأنني سأمخُرُ عُباب الفضاء قريباً ... نزلنا في مطار فرانكفورت في المانيا ليلاً، كُنتُ أرى مصابيح في الأسفل مِن الجو، كأنها مصابيحُ الجنة، وفي الأعلى في السِماء هُناك مصابيح متوهجة متلألئة وزينّا السماء الدنيا بمصابيح أسئلة كثيرة كانت مُتزاحِمة في ذاكرتي، وصلنا لندن العظيمة، والعظمة لِله، واستقبلني في المطار ليلاً أخواي الشقيقان فيصل وأنور، وفي القطار الى المنزل في Hammer Smith أعطاني أخي أنور العظيم هكذا نُناديه عادةً، قطعة تشوكلت سنيكرز كبيرة وهي أول مرة أذوقها بحياتي.
وصلنا الشقة ليلاً وعِندما وصلنا هرعَ أخي أنور وناولني قرن موز من عنقود كبير كان فوق البراد. ووالله العظيم والله العظيم كانت هي المرة الأولى في حياتي التي أذوق فيها الموز!!!!!!! قلت بِأن التفاصيل كثيرة اتصلتُ في اليوم التالي بالشاب الذي يدرُس الدكتوراه، وقُلتُ لهُ بِأن والِدتهُ أرسلت معي صُرّةً فيها بعض ما اشتهتُ لهُ، قال لي بعد ان هنأني بالسلامة، يا رجُل ثمنَ تذكرة السفر الى عندكم تُضاهي ثمن المُرسل بكثير، لكنني قُلتُ لهُ إن هذهِ الأشياء مِن ريحة الوالدة والوطن، فجاء بعد عدة أيام، وبقي في ضيافتنا عِدة أيام، وكانت الصرة، عِبارة عن ربطة خُبز عربي، و بكيت متة عدد 2 ونصف كيلو عدس أحمر مِن غلة البيدر عندهم، هاتفني بعد وصولِهِ إلى سكنِه، في شمال غرب بريطانيا جامعة نيو كاسل، وقال لي، يا رجُل والله أني اضطررت أن أُنقي العدس من الحجارة، وليس الحجارة من العدس، وكان ساخِراً جِداً، وفي ما بعد أقسم لي بِاتِصال آخر إِن طبخة المجدرة مِن عدسات أُمهِ التي تُوفيت رحِمها الله بعد أيام قليلة لم يذُق أطيب مِنها ولن يذوق بحياته رُغم أن أكثر مِن نِصفِها حِجارة!!!
إنه أدب الحقل والبيدر أرجو أن أكون قد وُفقت بنقل جُزء مِن تِلك الحقيقة التي هي حلقة في كِتاب {الوالد النبيل وأسرار النبي هابيل}
Farouk Alkassem فاروق مؤيد القاسم مودتي واِحتِرامي لِكُل الشُرفاء.