سيرة المبدع الدكتور عبدالله المصري – ابن جبل لبنان .

بقلم الباحثة والكاتبة

 الاستاذة إيمان أبو شاهين


بيد خفيفة تخطف موسيقاه العقول والالباب، فتحاصر الذاكرة، وتنطبع في الصدور دون عناء، تاركة بصمة، أو أكثر، على النفس في إصغاءاتها.

 موسيقى المصري تتميّز باستقلالية الأسلوب الموسيقي منذ الاعمال الأولى "سوناتا الكمان". هذا يعود الى ابتكاره منظومة سمعية  "هارمونية" خاصة به، تعتمد أسلوب التألف الواحد، الذي يتمتع باحتمالات كثيرة، تتطور وتتغيّر وفقا لمجريات السياق الدرامي التأليفي.

كذلك، فإن طابع الالحان مبني على ابتكارات مقامية لها صلة بأجناس المقامات الشرقية العربية، حيث تُحاك التآلفات  المبتكرة وفقا لنقاط ارتكاز هذه المقامات وطبائعها البنيوية الفريدة (د. وسام جبران). ولد المؤلف الموسيقي د. عبدالله هاني المصري في قرية صليما – المتن الأعلى – قضاء بعبدا – لبنان، عام 1962. درس العزف  على الغيتار مع الأستاذ عيسى سكاف في بلدة حمانا (1977 – 1979)، والموسيقى النظرية مع الأستاذ جوزيف أشكانيان في المركز الثقافي الاسباني – بيروت ( 1979 – 1982 )، ثمّ تابع الدراسة الموسيقية على يد كبار الأساتذة في كونسرفاتوار تشايكوفسكي – موسكو، حيث حصل على أعلى المؤهلات العلمية في تخصص التأليف الموسيقي. يحمل الجنسية اللبنانية والروسية، ويعمل محاضراً في جامعات الكويت منذ العام 1994.

حاز الدكتور عبدالله المصري على درع وزارة الثقافة اللبنانية عام 2016، ودرع الملتقى العلمي الاكاديمي العربي كتكريم خاص من اكاديمية الفنون في القاهرة لسنة 2016. وهو اللبناني الوحيد الذي درس في كونسرفاتوار تشايكوفسكي – موسكو (1982 – 1994)، حيث حصل على البكالوريوس والماجستير ثمّ دكتوراه التأليف. حيث، تتلمذ على يد عمالقة من مكوّن مدرسة التأليف الموسيقي المعاصر في روسيا: (نيكولاي راكوف) في التوزيع الاوركسترالي (صاحب منهج التوزيع الاوركسترالي الحديث. 

من احفاد كورساكوف في التسلسل الدراسي)، رومان ليدينييوف في التأليف الموسيقي، ويوري خولوبوف بالهارموني الحديث. كتب عبدالله المصري مجموعة ضخمة من الاعمال الموسيقية المتميّزة، منها ثلاث سيمفونيات وعدّة كونشرتوهات  لآلات  مختلفة مع الأوركسترا السيمفوني (كمان – البيانو – عود – تشيللو)، وقصيد سيمفوني للسوبرانو والبيانو والاوركسترا السيمفوني والكورال بعنوان " مطر ".

هذا بالإضافة الى عدد كبير من مؤلفات موسيقى الحجرة. وتمّ تقديم الكثير من أعماله لموسيقى الحجرة ضمن برامج  بعض الفرق الذائعة الصيت في أوروبا وامريكا كما في بعض الدول العربية. أمّا أعماله الأوركسترالية فقد تمّ تقديمها ضمن برامج الأوركسترا  السيمفوني اللبناني واوركسترا ليفربول الفلهارموني واوركسترا  نانسي في فرنسا واوركسترا القاهرة السيمفوني واوركسترا راديو موسكو، أوركسترا الاكوادور، أوركسترا غوتنجام الألمانية، وغيرهم... عبد الله المصري تجربة فريدة مع الاغنية حيث لحن العديد من الأغاني، إضافة الى رغبته في إعادة صياغة الاعمال الغنائية العربية في قالب اوركسترالي أكاديمي يهدف الحفظ والتوثيق. كما كتب بعض الاعمال الموسيقية المسرحية.

 يتميّز المصري بنشاطه البحثي، حيث صدرت له مجموعة من الكتب والمناهج الموسيقية والأبحاث العلمية المنشورة.  لغة المصري الموسيقية مليئة بالتجديد السمعي المستوحى من صميم المزاج العربي اللبناني، بعيداً عن موجة الموسيقى التجريبية السائدة التي ترفض الاهتمام باللحن وتبتعد عن التوافق السمعي المريح...   

يقول المصري بهذا الصدد: إن الرؤية في الابداع هو ان تستشعر الجمال دون ان تنساق مع موضة ما، فليس المهم الابهار أو إظهار تقنيات معينة في كتابة الموسيقى، بل تجسيد المشاعر المرتبطة في تكوين هذه الاعمال. تعكس أعمال المصري البساطة والتجريدية والتأمل والقصصية إضافة الى الدرامية وشجن الذكريات المأساوية التي مرَّ بها وطنه وقريته تحديدا. يقول الصحافي والشاعر جوزيف عيسوي في مقالته الدورية في مجلة الحسناء عن سيمفونية  " مطر ": " مطر" السياب والمصري اسمع اميمة الخليل وتطربني وهي تنشد من قصيدة بدر شاكر السياب " انشودة المطر"، في العمل السيمفوني الجديد للمؤلف عبدالله المصري. "مطر" وضع فيها المصري خلاصة بحثه في الكتابة الكلاسيكية الغربية، مطعّمة بالشرق روحاً وشعراً ونغما. وهو وإن كان لا يغني عن سماع أعماله  الموسيقية الأخرى، إلاّ انه يفتح كورة في الوعي الشرقي المغلق على هذا النوع الموسيقي.... 

وكذلك كتب المصري لبيانو العازف رامي خليفة بحيوية وجنون فريدين....  وقال الصحافي بسام سامي ضو - مجلة النهار.  موسيقى -"مطر" السيَّاب موسيقى عبدالله هاني المصري  وصوت اميمة الخليل  سيمفونية الوجع والتمرّد والحرية. وتقول الدكتورة سحر ملحم في المجلة العربية للعلوم الإنسانية في الكويت إن عبدالله المصري اتى بجديد في هذا الكونشرتو (الذي عُزِف في نانسي (فرنسا) مع أوركسترا نانسي السمفونية والأخرى في ليفربول (شمالي لندن) ختاماً للمهرجان الثقافي الغربي السنوي، على مسرح الأوركسترا الملكية الفيلارمونية... بعدما خيَّل للكثيرين من النقاد أنَّه لن يأتي أحد بعد بجديد بعد كونشرتوهات للبيانو والاوركسترا من بروكوفييف واراخمانينوف وسائر الكبار.... الدكتور عبدالله المصري ينفتح على العالمية لغةً، وعلى النفس الإنسانية في عمقها التراجيدي صدقاً وشعوراً. ويسافر بين التأليف لآلة تناجي وحدتها تارة، وتركيبات آلية تبحث عن صوتها الأول تارة أخرى. أو يرسم  مشاهد اوركسترالية تتراوح بين الاعمال السمفونية والكونشرتو والمغناة.

 خلف هذا كله، سيرورات متأنية من البحث والإبداع والتواصل مع الذات.  سيرورات تُصغي الى خصوصيتها الآتية من المستقبل، يغوص فيها مؤلفنا رائياً مستكشفاً، دون ان يتوسل الموروث، ودون ان يلجأ الى بهرجة التجريب المبتذل. فلا استعراض ولا شعارات ولا ضجيج. بصدق الحالم وعفوية الطفل، وعمق المؤلف الموسيقي يأتي عبدالله المصري الى المتلقي الانسان. (د. وسام جبران) سيمفونيات عبدالله المصري، الحان ملائكية تخرج من صفاء وجدانه، وشفافية مشاعره. تنتشر كالنسيم المنعش حينا، وكضياء النور أحيانا. فتنعش القلوب وتضيء الدروب امام الذين يجهلون هذا النوع من الوعي الموسيقي. هنيئاً للإنسان والإنسانية بالدكتور عبدالله هاني المصري.

 هذه الظاهرة الفنية المتفردة بفنها وعطاءاتها، دخلت رياض عمالقة الفن الموسيقي الكلاسيكي، وجلست بجانب بتهوفن، باخ، وشوبان. فخلقت حوارا ثقافيا، تفاعلت كلماته والحانه وتوالفت فيما بينها، لتعطي فنّا عالميا ممتد الجذور، متعانق المصادر، مشبعٌ بالتجديد، والصدق، والعفوية، محافظا على رؤية خاصة للمستقبل، نابعة من أحلام الناس واوجاعهم، ومن تجارب مرّت وتجارب معاشه.

 كل التقدير والمحبة لحضرتك. دكتور عبد الله هاني المصري.

@جميع الحقوق محفوظة