الكاتب عماد أ. الاعور
نَحنُ طَيْفٌ أَضَلَّهُ ظِلُّهُ،
ظَنَنَّا أَنَّا كَثَافَةٌ، وَأَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النُّورِ حِجَابًا،
وَمَا الحِجَابُ إِلَّا طَيْفٌ مِنَّا،
وَمَا الظِّلُّ إِلَّا نَحْنُ حِينَ نَظُنُّ أَنَّ النُّورَ سِوَانَا.
يَمُرُّ النُّورُ مِنْ خِلَالِنَا،
فَلَا يَلْمَسُ مَادَّتَنَا،
لِأَنَّ الْمَادَّةَ فِي حَقِيقَتِهَا لَا تُلَامِسُ النُّورَ،
بَلْ تَسْتَضِيءُ حِينَ تَفْنَى فِيهِ.
فَهُنَا سُؤَالُ النَّشْأَةِ الْكُبْرَى:
هَلْ يُلَامِسُ النُّورُ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ نَفَسِهِ؟
وَهَلْ يُعَانِقُ السِّرُّ إِلَّا مَنْ خَلَعَ عَنْهُ خِرَقَ الظُّنُونِ وَتَقَدَّمَ؟
أَمْ أَنَّنَا نَسْكُنُ فِي دَائِرَةِ الضَّوْءِ وَلَا نُدْرِكُ أَنَّنَا فِيهِ،
لِأَنَّنَا لَمْ نَعْرِفْ أَنَّا هُوَ، فِي مَجْلًى مُخْتَلِفٍ؟
قَصُرَتْ مَادَّةُ الْمَدَدِ، فَأَمْدَدْنَا مَدَانَا،
وَصِرْنَا هَبَاءً فِي الْاتِّسَاعِ،
وَضَاقَتْ نُفُوسُنَا حَتَّى تَنَقَّتْ،
وَفِي الضِّيقِ اتِّسَاعٌ لَا يُرَى،لِأَنَّ الأسِّعَّةَ عِندَ النُّورِ،
لَيْسَتْ بِالْكَمِّ،بَلْ بِمَا فَاضَ عَنْهُ مِنْ فَهْمٍ وَإِنَابَةٍ وَصَفَاءٍ.
لَيْسَ هُنَاكَ أَرْوَاحٌ،
بَلْ رُوحٌ وَاحِدَةٌ،لَا تُجَزَّأُ،
وَلَا تَتَعَدَّدُ،
هِيَ مِنْ أَمْرِ اللهِ
،تَنْزِلُ عَلَى كَثَافَةِ الصُّورَةِ،
فَتَكْسِرُ انْغِلَاقَهَا،
وَتُنْبِتُ فِيهَا شَوْقًا لِلْعَوْدِ.
وَأَمَّا مَا نُسَمِّيهِ “نَفْسًا فَرْدِيَّةً”،
فَلَيْسَ سِوَى تَكَاثُفِ الطَّيْفِ فِي نُقْطَةِ وَهْمٍ،
انْكَمَشَتْ حَوْلَ اسْمٍ، وَشَكْلٍ، وَصِفَةٍ،
ثُمَّ صَدَّقَتْ أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ بِذَاتِهَا،
فَانْفَصَلَتْ مَجَازًا،
وَانْعَزَلَتْ وَهْمًا،فَ
غَابَتْ عَنِ الْأَصْلِ،
وَمَا غَابَ الْأَصْلُ عَنْهَا.
الدِّينُ لَيْسَ الْحَقَّ،
بَلْ طَرِيقٌ إِلَيْهِ،فَإِذَا اتُّخِذَ غَايَةً دُونَ وَجْهِ اللهِ،صَارَ نُصْبًا،
لَا نُورًا،وَإِذَا صَارَ الدِّينُ ضِدًّا لِغَيْرِهِ،صَارَ شِقَاقًا،
وَفَقَدَ وَجْهَتَهُ النُّورَانِيَّةَ.
الدِّينُ إِذَا لَمْ يَكُنْ حُبًّا،وَإِنْصَافًا،وَإِكْرَامًا،
فَهُوَ قَيْدٌ مِنْ طِينٍ،يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ النُّورِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ.
إِذَا عَرَفْنَا الْأَصْلَ،فَلَا “أَنَا”،وَلَا “أَنْتَ”،وَلَا “هُمْ”،
بَلْ طَيْفٌ نُورِيٌّ مُطْلَقٌ،
يَتَمَدَّدُ فِي أَثِيرِ الْإِرَادَةِ الْإِلَهِيَّةِ،
وَيَتَنَاغَمُ مَعَ مَوْجَاتِ الاسْمِ الْأَعْظَمِ،
يَصُوغُ أَشْكَالًا،وَيَنْسَى ذَاتَهُ حِينَ يَصْدُقُ الصُّورَةَ.
فَنَكْبُرُ فِي الشَّكْلِ،وَنَصْغُرُ فِي الْمَعْنَى،
حَتَّى نُفِيقَ…
وَنَقُولَ: لَسْتُ مَا ظَنَنْتُ،أَنَا مِنْ أَنْتَ، لَا مِنْ أَنَا.
فِي مَدْرَسَةِ النُّورِ،
مَنْ هَمَلَ نَفْسَهُ إِدْرَاكًا،
تَجَلَّى لَهُ سِرُّهَا،
وَمَنْ جَفَاهَا شَوْقًا،
رَآهَا تَتَفَتَّحُ كَزَهْرِ نُورٍ فِي خَلَاءٍ لَا يَسَعُهُ اسْمٌ،
وَمَنْ أَحَبَّهَا فِي اللهِ، تَحَرَّرَ مِنْهَا،
وَصَارَ نُقْطَةَ نُورٍ صَافٍ،
لَا يُعَكِّسُ، بَلْ يُشْرِقُ.
مَا أَجْمَلَكَ أَيُّهَا الْوَاحِدُ،
تَجَلَّيْتَ بِلَا كَيْفٍ وَلَا أَيْنٍ،
فَأَنْرْتَ الْجَسَدَ فَرَحِمْتَهُ،
وَعَذَرْتَ النَّفْسَ فَرَفَعْتَهَا،
وَعَقَّلْتَ بَيْنَهُمَا بِلَطِيفَةِ الْإِحْسَانِ،
فَجَعَلْتَ الْعَقْلَ سُلَّمًا،
لَا سِيَاجًا،وَعَرَفْنَاكَ إِذْ ذُقْنَاكَ،
وَدَخَلْنَا مَقَامَ الْيَقِينِ،
بِعِلْمِكَ،
وَعَيْنِكَ،
وَحَقِّكَ.
أَمْسِكْ بِيَدِنَا،
يَا مَنْ لَا يَغِيبُ،
وَإِنْ غِبْنَا،
وَلَا يَبْتَعِدُ،
وَإِنِ ابْتَعَدْنَا،
وَلَا يَنْسَى،
وَإِنْ نَسِينَا،
يَا نُورَ النُّورِ،
وَمَوْجَةَ الْإِرَادَةِ،
اجْذِبْنَا إِلَيْكَ جَذْبَ الْمُشْتَاقِينَ،
وَارْفَعْ عَنَّا كَثَافَةَ الظَّنِّ،
وَأَعِدْنَا إِلَى مَقَامٍلَا “أَنَا” فِيهِ،
وَلَا “أَنْتَ”،
بَلْ “هُوَ”.اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ،،،
@جميع الحقوق محفوظة