غُرُوبٌ… 🍂

الكاتب عماد أ. الاعور

بِسْمِ النُّورِ الَّذِي لَا يَأْفُلُ،

وَبِهِاءِ السُّبُّوحِ الَّذِي لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِهِ،

نَسْتَفْتِحُ كَلِمَةَ الغُرُوبِ،

وَنَنْسُجُ مِنْ خُيُوطِهِ تَأَمُّلًا يَحْتَضِنُ السَّمَاوَاتِ،

وَيَنْفُذُ إِلَى لُبِّ الجَوْهَرِ الأَوَّلِ.
غُرُوبٌ…

لَيْسَ مُجَرَّدَ مَشْهَدٍ تَتَدَافَعُ فِيهِ الأَلْوَانُ كَمَدٍّ وَجَزْرٍ،

بَلْ كَشْفٌ لِسِرٍّ أَزَلِيٍّ،

يَجُودُ بِصَمْتِهِ عَلَى مَنْ يُصْغِي لِكَلِمَاتِ السُّكُونِ،

وَيَغْفُلُ عَنْهُ مَنْ غَرِقَ فِي بَهْرَجِ الضِّيَاءِ الظَّاهِرِ.
فِي الغُرُوبِ،

تَكْشِفُ الظِّلَالُ عَن مَعَارِجِ النُّفُوسِ،

وَيَتَجَلَّى لِلْبَصِيرِ أَنَّ النُّورَ لَيْسَ ضَوْءًا يُبْصَرُ،

بَلْ سِرٌّ يُدْرَكُ بِنُورِ الفِكْرِ،

وَصَفَاءِ البَصِيرَةِ،

وَعَطَاءِ الرُّوحِ.
نَشْعُرُ…

وَكَيْفَ لَا نَشْعُرُ؟

وَنَحْنُ نَرَى الوُجُودَ يُغَيِّرُ وُجْهَتَهُ،

فَيَسْتَحِبُّ السُّكُونَ بَعْدَ صَخَبٍ،

وَيَتَجَرَّدُ مِنْ جِلْدِهِ النَّهَارِيِّ لِيَرْتَدِي ثَوْبَ المَعْرِفَةِ.
الغُرُوبُ لَيْسَ أُفُولًا،

بَلْ تَقَدُّمٌ نَحْوَ جَوْهَرِ الحُضُور،

وَخَفَقَةُ وَدَاعٍ لِظِلِّ الزَّمَنِ،

تَصْحُبُهُ أَنْفَاسُ الحَنِينِ إِلَى مَا وَرَاءَ الكَوْنِ،

إِلَى مَنْ هُوَ مُعَلُّ عِلَّةِ الضِّيَاءِ،

وَجَوْهَرُ كُلِّ نُورٍ،

وَسَبَبُ كُلِّ إشْرَاقٍ،

وَالَّذِي لَوْلَاهُ مَا أَشْرَقَتْ شَمْسٌ وَلَا اهْتَدَى نَجْم.
سُبْحَانَهُ…

يَغِيبُ الضَّوْءُ وَيَبْقَى نُورُه،

يَغِيبُ الشُّعَاعُ وَتَبْقَى العِلَّةُ الَّتِي تُنِيرُ،وَيَبْقَى هُوَ، 

مُجَرَّدًا مِنْ صُوَرِهِ،

حَاضِرًا فِي كُلِّ غِيَابٍ،

وَمُتَجَلِّيًا فِي كُلِّ فَقْدٍ.
يَا نَفْسُ،

لَا تَحْزَنِي لِأَنَّ الضِّيَاءَ أَفَلَ،

فَفِي سَكِينَةِ الغُرُوبِ مَعَابِرُ إِلَى المَعْنَى،

وَفِي سُكُونِ اللَّيْلِ أَنْفَاسُ القُرْبِ،

وَمَنْ فَقَدَ نُورَ العَيْنِ، 

فَقَدْ يُبْصِرُ بِنُورِ الفِكْرِ،

وَمَنْ غَابَتْ عَنْهُ الشَّمْسُ، 

فَقَدْ يَلْتَقِطُ أَشِعَّةَ الوُجُودِ فِي صَفَاءِ التَّأمُّلِ.
سُبْحَانَكَ…

يَا مَنْ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِتَجَرُّدِ الإِدْرَاكِ،

وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِانْطِفَاءِ الظُّنُونِ،

يَا مَنْ أَنْتَ أَقْرَبُ إِلَيْنَا مِنْ كُلِّ مَا نَظُنُّ أَنَّهُ قَرِيب،

وَأَبْهَى مِمَّا نَتَوَهَّمُهُ جَمِيلًا.
فِي الغُرُوبِ،

يَسْتَتِرُ الضِّيَاءُ،لِيَظْهَرَ النُّورُ،

وَيَنْطَفِئُ الظَّاهِرُ،

لِيَشْرُقَ البَاطِنُ،

وَيَخْتَبِرُ اللهُ قُلُوبَنَا:أَنَثْبُتُ عَلَى عَهْدِ النُّورِ وَلَا نَرْتَدُّ مَعَ الظُّلْمَةِ؟

أَنَذْكُرُ العِلَّةَ وَنُسَبِّحُهَا،أَمْ نَنْشَغِلُ بِالظِّلِّ وَنَنْسَى المَصْدَرَ؟
فَإِذَا أَطَالَ اللَّيْلُ ظِلَّهُ،

فَسَتَجِدُهُ هُنَاكَ،

هُوَ… مُعَلُّ عِلَّةِ الضِّيَاءِ،

وَالْهَادِي فِي الدُّجَى،

وَالوَجْهَةُ الَّتِي لَا تَغِيب.
يَا سُبُّوحُ،

يَا مَنْ يَسْتَتِرُ نُورُكَ لِيَسْتَيْقِظَ فِينَا الشَّوْقُ،

وَيَغِيبُ ضِيَاؤُكَ لِنُدْرِكَ أَنَّا كُنَّا نَرَاكَ وَلَا نَعْلَم،أَنْتَ الَّذِي مَا أَفَلْتَ قَطُّ،

وَلَا غِبْتَ إِلَّا لِتَكُونَ أَقْرَبَ.
ٱللَّهُمَّ،

إِذَا غَابَتْ عَنَّا الشَّمْسُ،

فَلَا تَجْعَلْ قُلُوبَنَا تَغِيبُ عَنْكَ،

وَإِذَا ٱنْطَفَأَ الضِّيَاءُ،

فَٱجْعَلْ نُورَكَ سَرَاجًا بَاطِنًا فِي دَوَاخِلِنَا،

يَهْدِينَا إِلَيْكَ فِي اللَّيْلِ،كَمَا كَانَ ضِيَاؤُكَ يَهْدِينَا فِي النَّهَارِ.
*ٱللَّهُمَّ،

ٱفْتَحْ لَنَا بَصِيرَةَ العَقْلِ،

وَصَفِّ قُلُوبَنَا لِنُدْرِكَ أَنَّكَهُوَ… 

مُعَلُّ عِلَّةِ الضِّيَاءِ،

وَمَنْبَعُ كُلِّ هُدًى،

وَمَقْصِدُ كُلِّ رَاغِبٍ فِي النُّورِ.
ٱللَّهُمَّ،ٱجْعَلْ غُرُوبَنَا تَجَلِّيًا،

وَلَيْلَنَا سُجُودًا،

وَصَبَاحَنَا وُصُولًا،

وَنُفُوسَنَا مُهَيَّأَةً لِتَلَقِّي نُورِكَ الدَّائِمِ.
سُبْحَانَكَ يَا مَنْ فِي كُلِّ غُرُوبٍ نَفْحَةٌ مِنْ حَقِيقَتِكَ،

وَفِي كُلِّ ظِلٍّ إِشَارَةٌ إِلَى وَجْهِكَ،

ٱجْعَلْنَا مِمَّنْ إِذَا غَابَ النُّورُ الظَّاهِرُ،

ازْدَادُوا تَعَلُّقًا بِنُورِكَ الَّذِي لَا يُحْجَبُ.
آمِينَ، آمِينَ، 

يَا نُورَ النُّورِ، 

وَهُدَى الْعَارِفِينَ.

@جميع الحقوق محفوظة