"نظرية التطور"... بين الخلق و الخالق!!!

 طارق نصر الدين - 21 - 1 - 2022

 نظرية التطور بين الخلق و الخالق: 

مع أول كلمة تطلقها شفتاك عن نظرية التطور، تسمع من كل حدب وصوب أصواتٌ مؤيدةٌ وأخرى منتقدةً، ماذا تعني نظرية التطور، هل فعلاً النظرية تدعي أن الإنسان أصله قرد، ونظريه التطور هي حقيقة أثبتتها العلوم أم أنها نظرية خاطئة لا صحة لها. 

هناك حواران ينطلقان مع الحديث عن النظرية أولهما علمي دقيق يبحث في الحقائق ونقضها بالحقائق، وحوار شتام لا يقبل النظرية ولا يجادل فيها إلا من خلال الهجوم على أصحابها ومؤسسيها، ولكن للأسف، هذا الحوار البيزنطي لا تستمع إليه إلا في منطقتنا العربية المنغلقة على العلم، ولكنك لن تستغرب حين تقول بأي دولة متقدمة علمياً، ماذا تعلم عن نظرية التطور؟ ستتعجب لمدى الوعي بأصل الإنسان والمادة والتطور، وأصل الأنواع وماهية تطورها عبر الزمن ولن تراه يخلط بين الدين والعلم، والمقصود من مقدمتي أن أقول للقارئ العزيز، إن الله نور مطلق، ووعي سرمدي، لا يحد بزمانٍ ولا مكان، والتطور الحاصل في خليقته ليس إلا رمشه عين من وعيه المطلق لخلقة، لذلك علينا أن نفصل بين موروثنا الفكري عن ماهية أصل الكون، وبين بحثنا عن ماهية وجودنا وأصل تطور جنسنا وتطور الحياة على الأرض وربما خارجها مستقبلاً، إن العلم يجيب ويبحث بأدوات لا تؤكد إلا الموجود ولذلك نقول لقد اكتشف العلم أي وجد ما هوى غائب عن عيننا أو وعينا وسلط النور عليه، فَكُنا لا نَعلمُّ وأصبحنا نَعلمُ بِالعلمِ، الكونُ عظيمٌ بعظمةِ خالقهِ، واستمرَ ليصبحَ على هذا النحو ملاين سنين وهذا لا يقلل من عظمة الله القدير وليس علينا أن نستدل بعظمة الله، من كمية الوقت التي خلقت فيه مخلوقاته، هذا هو الكفر بعينه والتصغير لقدرة الرحمن وعظمته، إذن لنبتعد عن كل ما هو ساذج ولنعترف أن الطريق الوحيد لمعرفة الخالق والتقرب منه هو العلم وليس شيء آخر. وتعتبر نظرية التطور من هذا المنطلق، برهاناً على عظمة الله وليس نفياً له حاشى لله القدير، وهي ليست فرضيةً أو تصور فلسفي عن الحياة، فنظرية التطور حقيقة علمية لا لبس فيها، تعتمد على التجربة والبراهين والأدلة الدامغة، وكل ما أفصحت عنه ما هي إلا دعوة للتدبر والتيقن بعظمة هذا الواجد والصانع المُطّق.

 أسس نظرية التطور:

 تقوم نظرية التطور على ركيزة أساسيه وهي أن المادة العاقلة المُشكِلة للعنصر النبيل للحياة تحولت من شكل لآخر، وذلك من الحياة البسيطة النصف تطورية وهي من البحار واعتبرت وحيدة خليه، انقسمت لتشكل ثنائيات خلية تشكلت الحياة منها، لتبدأ الحياة البحرية وتتطور الأنواع والحيوات، من نباتٍ عاقل إلى نبات حيواني، كالإسفنجيات ولتبدأ سلسلة التطور، من حيوانات نباتية إلى حيوانات أشنيه ثنائية الخلية، ولتتنوع التكيفات مع المحيط الحاضن لهذا التطور، لتخلق بعدها الحياة البحرية ومنها الحياة النصف بحرية ونصف برية وهي البرمائيات، وبدأت الحياة تزحف من الماء إلى اليابسة، ومن البرمائيات إلى التطور البري الحيواني، وكان للعمل والتأقلم حسب دارون الأثر الكبير في تطور الحيوانات، إلى أنواع ناطقة وهي البشر كحيوان ناطق، تطور عبر ملاين السنين، حتى وصل على ماهيته الحقيقة وشكل حمضه النووي.

 المعارضون لنظرية التطور: 

قال العالم لوورين أيسلي في كتاب فجر الحياة "لجوزيف هارولد"  مفندًا الصدفة والعشوائية وعدم التدبير في الخلق، ورافضاً نظرية التطور، ويحاول أن يشرح أن نظرية التطور غير منطقية فيقول: ((لو أن المادة الميتة أي ( الطبيعة ) قد أنشأت المناظر العجيبة للصراصير العازفة، والعصافير الشادية، والبشر المفكرين، فيجب أن يكون واضحاً لأكثر الطبيعيين تعصبًا -يقصد المؤمنون بنظرية التطور

- أن تلك المادة ( الخالقة ) التي نتكلم عنها تنطوي على قوى مذهلة إن لم تكن مروعة. ويكمل حديثهُ قائلا: ((هل يُعقَل أن الطبيعة الصماء بالصدفة والعشوائية تستطيع خلق الصراصير، التي تعزف الأصوات الجميلة باحتكاك جناحها بأرجلها, والعصافير التي تعزف أعذب الألحان وأجملها، والبشر المفكرين ؟، أو التفاح اللذيذ الغني بالفيتامينات المهمة للإنسان خلقت عشوائية وصدفة)). ثم هل لعقلٍ أن يستنتج، أن تلك المادة لابد أن تكون عاقلة وقوية ومذهلة ومروعة بالصدفة, طبعاً لا أي أن في الخلق حكمة وتدبير وعلم وإبداع. ولا يمكن لنظرية التطور أن تكون صحيحة حسب زعمه بسبب ما سبق. حيث يقصد المناهضين لنظرية التطور القول: إن كل شي بالكون مدبر وموضوع لحكمة ودقة الخلق لا تقبل العشوائية وانه ليس هناك في الكون مكان للصدفة والعشوائية التي تتحدث عنها نظرية التطور حسب فهمهم لها. وإليك عزيزي القارئ بعضَ الكتبِ التي دحضت نظرية التطور وفق زعم مؤلفيها. نبدأ بكتابِ (تصميم الحياة: اكتشاف علامات الذكاء في النظم البيولوجية)، كتاب مشترك للكاتبين "ويليام ديمبسكي وجوناثان ويلز" ويذكر المؤلفان في البداية أن الكتاب "ليس مجرد نقد للتطور، وإنما هو تعبير عن حقيقة نراها بأعيننا في كل علم الأحياء، حيث أن التصميم أصبح جزءا من العلم بالضرورة التصميم الجيني يقصدون للحياة، ولا يمكن فهم العلوم إلا من خلال التصميم، وهو الأمر الذي طالما أنكره التطوريون قائلين بأن علم الأحياء هو علم لدراسة البنى العبثية التي تطورت بشكل عشوائي إلى نتيجة عشوائية، الأمر الذي يخالف الحقيقة تماما حسب زعم الكاتبان. كتاب (أيقونات التطور علم أم خرافة) للكاتب "جوناثان ويلز" يتحدث فيه عن الايدولوجيا وتسييس النظريات العلمية، وأن التطور واغلب العلوم تتدخل فيها التحيزات الشخصية على النظرة العلمية حسب زعمه، واهم محور بكتابهِ هو قابلية العلم الطبيعي نفسه لأن يتحول من خلال نظرياته وفرضياته ومؤيديه إلى أساطير ذات أقانيم وأيقونات.  كتاب (شك داروين النشوء المفاجئ للكائنات الحية) للكاتب "ستيفن ماير"، يتحدث فيها عن قلق دارون من حقبة الانفجار الكانبري بالنشوء السريع الذي ناقض فكرة التطور البطيء، وقد نظر داروين لهذا الحدث على أنه شذوذ مقلق يرجو من الاكتشافات الأحفورية المستقبلية أن تقضي عليه نهائيا، فكان الكتاب من أجل هذه الثغرة الكبيرة في النظرية، حيث كتب ستيفن ماير هذا الكتاب، فهو يركز على فترة حاسمة من التاريخ الجيولوجي ظهرت فيه أعداد هائلة من الأشكال الحيوانية فجأة، ودون أسلاف تطورية محفوظة في السجل الأحفوري، إلا أن هذه الثغرة قد تلافتها نظرية التطور، وفسرها علماء التطور بالقفزة الكامبرية والتطور السريع المتقطع بسبب التغير المحيط المرافق للكائنات الحية وقد نستفيض بشرح هذه التفاصيل بمقال أخر عن الداروينية. 

المدافعون عن نظرية التطور: 

هناك علماء مؤمنون دافعوا علناً عن نظريّة التطوّر وأقروا بقبولهم لحقائقها وأسسها حيث ليس بالضرورة إن كُنتَ مدافعاً عن نظرية التطور فأنت ملحداً، فعلماء التطور يعتقدون بوجود خالق، ولكنّهم يعتقدون أنّ التطوّر حدث وفقًا لقوانين الطّبيعة، ومن بين هؤلاء العلماء كثر ليس يعتقدون بوجود خالق فحسب، ولكنهن مؤمنون دينين أيضاً. ومن أهم العلماء المدافعين نذكرُ: الدّكتور"فرانسيس كولينز" المشرف على مشروع الجينوم البشري ومدير المعهد الوطني للصحّة في أمريكا وهو مسيحي إنجيلي، "كينيث ميلر" البروفيسور بعلم البيولوجيا الجزيئيّة والخلويّة في جامعة براون الأمريكيّة، وأحد أشهر المدافعين عن نظريّة التطوّر في أمريكا وهو رجل مسيحي كاثوليكي مؤمن بروفيسور علوم الأحياء والتطوّر" فرنشسكو أيالا"  يعمل في جامعة ((كاليفورنيا إرفاين)) وقسّيس دومينيكاني سابق، وهو مسيحي.  الدّكتور "سايمون موريس" عالم الأحياء القديمة والمستحاثّات، ومكتشف أهمّ موقع أحافير في العالم، وهو أيضاً معارض جداً للتّفسيرات الماديّة لنظريّة التطوّر، لكنه لا يرى تعارضاً ما بين النّظريّة والإيمان بالخالق ديانتهُ مسيحي. الدّكتور روبرت بيري، مختصّ في علم الوراثة وعالم طبيعة.

 خلاصة القول :

إن التطور عبارة عن  نظرية تشرح التطور البيولوجي للكائنات الحية، وتنصُّ على أنَّ جميع أنواع الكائنات الحية تنشأ وتتطور من خلال عملية الانتقاء الطبيعي للطفرات الموروثة التي تزيد من قدرة الفرد على المنافسة والبقاء على قيد الحياة والتكاثر، وإن جميع الكائنات تنتمي لنفس الأصل الجيني ويختلف الحمض النووي من كائن لآخر، والتطور كنظرية لا تبحث سوى ما هو موجود وتكتشف ما أبدعه الله في خليقته.