مهرجان بيت الدين صرح تاريخي وحضاري عريق يغني بجدرانهِ الاثرية


نرجس عبيد - 7- 8- 2023


في آخر أيام الحفلات الغِنائية التي تُقيمهَا مهرجانات بيت الدين والتي تحتفِل هذا العام 2023 بعيدها الأربعين، وكما يُقال خِتامُها مِسكُ، أُقيمت حفلة التزاوُج المُبارك بِامتياز ما بين التخت الشرقي والصولفيج الغربي في قصر الأمير بشير الذي يُعتبر إحدى التُحف المِعمارية مُنذُ حوال 200 عام، ضِمنَ أُمسيةٍ موسيقية مُميزة وإِطلالة استثنائية لِفنانة (الشرق والغرب) اللُبنانية الأميركية ميسا قرعة لِتُشكِل جسر عبور بين الثقافة العربية والغربية عبرَ ما سمِعناه وشاهدناهَ مِن مزيجٍ جميل بين المُوسيقا العربية الكلاسيكية وبين المُوسيقى المُعاصرة الغربية.


وبدايةً وقبل كُل بِداية كان يُشرِفُنا أن نلتقي بِصاحبة الامتياز وراعية المهرجان السيدة الكريمة نورا جنبلاط العزيزة على قُلوبِنا جميعاً لِنتناول معها الحديث التالي: 


•     بِرأيكِ ما الذي يُميزُ مهرجان بيت الدين عن كُل المهرجانات في لُبنان؟

•     للحقيقة إن كُل مهرجان لهُ رونقهُ وجمالهُ الخاص ومواطِن تميزهُ، أما بِالنسبةِ لنا فتميُزنا يكمُن في مسيرتنا الذاتية الحافِلة بِتنظيم الحفلات الفنيّة ذات الطابِع الثقافي الراقي والتي بدأنهَا مُنذُ الثمانينات وحملنا خِلالها رسالة أمل ودعم لِكُل منْ يسمعنا؛ واليوم نحتفي بعيد ميلادَنا الأربعين مُستمرين اليوم بِحمل رِسالتنَا هذِهِ، حيثُ كُنا نسعى دائِماً لِتعزيز التبادُل الثقافي والفني بين كُل الدُول العربية والأجنبية؛ وخاصةً في هذهِ الفترة الدقيقة التي نمُرُ بِها فنحنُ نر أن دورنا الذي نُقومُ بهِ لتعزيز هذهِ الرِسالة يؤخذ أهميةً كبرى في هذا اليوم أكثرَ مِنْ أي وقتَ مضى، وهِي رِسالة الامل والتعاون التي تُبرِزُ لُبنان بوجهيهِ الحضاري والثقافي.
ولإن وِلادة الأُغنية العربية لا تنبثق إِلا مِن نسجِ القصيدة الغِنائية المُقفاة حُباً وحنيناً لِلوطن وبِمُناسبة الذِكرى السنوية لانفجار مرفأ بيروت فقد وُلِدت أُغنية (تعا) بعد تواصُلاً فنيا ثقافياً ما بين الفنانة ميسا والشاعر الكبير هنري زغيب لِيُقدِما معاً اغنية وطنية نابِعة مِن الوجدان تدعو مِن خِلالها الجالية اللُبنانية في الخارج لِلعودة إلى وطنِهِم لُبنان ومُساعدتهِ... وفي هذهِ المُناسبة سرنا وشرفنا أن نلتقي الأُستاذ الشاعر هنري زغيب ليبوح لنا بالتالي ...


•     شاعِرنَا الكبير الأُستاذ هنري زغيب .. نحنُ اليوم ماثِلون أمام بِناء أثري تاريخي عريق وصرح حضاري قديم، قِدم التاريخ يعبقُ عِزاً ومجداً ويتنفسُ حضارةً وإرثاً راقياً ًإلى يومنا الحاضر هذا، فما الذي يُضفيهِ هذا المكان مِن سِحرٍ خاص على الحفلات الفنية التي تُقامُ بِهِ وعلى الحاضرين فيه؟

•     بِالتأكيد حُضورنا في صرح تاريخي حضَاري عريق كبيت الدين ومُتابعة الحفلات الفنية النوعيّة، هذا بِحد ذاتهِ يُضفي تمُيزاً خاصاً يُميزهُ مُسبقاً عن سائِر المهرجانات ذات الطابع العصري الحديث؛ فهُنا تنتشي الروحُ فرَحاً وتطرَبُ النفسُ بهجةً حيثُ تشعرُ هُنا بِروحِ المكان تتراقصُ أمامك وكأن هذا المكان الاثري بِكليتهِ هو إنسانٌ قديم ماثِلٌ أمامك يرقُص ويُغني ويشدو أجمل الألحان، على عكس حضوركِ لِلحفلات الفنية والمهرجانات التي تُقام في المسارح حديثة العهد. والمُنشأة وِفق أحدث تصاميم الِبناء الجديدة والمُواكِبة لاحدث وسائِل التكنُولوجيا المُعاصِرة والتي تستعِملُ الستائِر المُتحرِكة بل المسارح المُتحرِكة أيضاً.تنظيم الحفلات الفنية والمسرحيات والامسيات الثقافية في قصر الأمير بشير ضمن ِمهرجان بيت الدين المُقامة في هذا المكان الاثري الفني العريق يدُلُّ على أن جُذورنا وتاريخنا الفني والثقافي مُمتد اِمتِداد التاريخ العريق وهذا ما يدعُونا نحنُ كُلبنانيين لِلشعور بِالفخرِ والاعتِزاز بِأصالة الفن في بلادنا وعراقةِ عهدهِ مِنذُ قديم الزمان.


•     وما رأيك بِنوعية الحفلات التي تُقامُ في مهرجان بيت الدين؟

•     جميع الحفلات التي قامت وتُقامُ حالياً في مهرجان بيت الدين هي على مستوى رفيع من الدرجة الفنية والثقافية العالية، وهي تحمِلُ أعمالاً ذات مضمون جدي وهادف وقيّم يتناسبُ مع قيمة هذا المكان التاريخية والثقافية الحافلة بسيرة ذاتية مُميزة.


تُمثِلُ بِشخصيتِها وحُضورِها المُواطِن العربي واللُبناني الأصيل والذي مهما شرّق وغرّب في بلاد الغرب إلاّ أن عُروقهُ المزروعة عميقاً في أرضهِ تعودُ بهِ دائماً إلى وطنهِ ليتجلى فيها بِأصالةٍ مُنفرِدة مِن نوعِها وهذا ما جسدتهُ فنانتنا المُشِعة ميسا قرعة بِمُعظم أغنياتها التي تقومُ بِكتابتِهَا وتلحينها وتأديتها؛ حيثُ قدّمت مزيجاً مِن الأغاني العربية والإنكليزية؛ بِالإِضافة إلى مُوشحات تاريخية قديمة مُكرِّمةً بِذلِك عدداً من عمالقة الفن كوديع الصافي والسيدة فيروز وزكي ناصيف. وبتوزيع موسيقي جديد غير مُعتاد يمزِجُ بين موسيقى البوب والروك وما بين الموسيقى الإنكليزية والعربية وهي الحاصلة على جائزة غرامي مِن خِلال الأُغنية العربية (White Rabbit) التي أدتها بعد مُشاركتها في الفيلم الأميركي (American Hustie عام 2013.



•     سيّدة الغِناء في حفل الليلة ميسا قرعة ما الرِسالة التي تودين تقديمها مِن خِلال أغنياتك اليوم؟ وكيف نستطيع أن نخدُمَ وطننا لُبنان مِن خلال الفن؟

•     رسالتي هي رسالة أمل، ورِسالة حُب لكل العالم بالشرق والغرب، وهي لتذكير العالم كُلهُ بِتاريخنا الفني العريق في العالم العربي عموماً، وفي لُبنانا خصوصاً، وعندما نؤدي هذا العمل نخدم وطننا لبنان بِأننا نُرسِل رسالةً تُعبِّر عن لبنان الفن ولبنان الحضارة؛ ولتقول أنهُ بِالرُّغمِ مِن كُلّ الصُعوبات التي مر بِها بلدنا إلاّ أنهُ ما زال موجُوداً حاضِراً قوياً فتيّاً بِفنِه وتاريخهِ الذي يُقاوِمُ مِن خِلالهُ كُل هذهِ الصعوبات، والذي لم تُغيرهُ الأزمات. (وأريد أن أقول لِلسيدة الراقية نورا جنبلاط رئيسة مهرجان بيت الدين ولِكُل أعضاء إِدارة مهرجان بيت الدين الكِرام أنهُ لمِن دواعي سروري واعتزازي وفخري الكبير أن أُقدِم حفلتي اليوم على مسرحِهِم الهام وبعيدهم الأربعين لِهذا العام؛ وهذا ما حلِمْتُ بِهِ مُنذُ كُنتُ طِفلةً صغيرة عندما كُنت أحضر الحفلات هُنا لِكِبار الفنانين والحمدالله اليوم تحقق هذا الحُلُم، وأود أن اشكُر لِجنة مهرجان بيت الدين لإنهُم يقومون بِالإضاءة على الكثير مِن الفنانين العرب وهذا مُهم جداً لِيذُكِرَ الغرب بِأصل الموسيقا العربية التي تعكِسُ حقيقة البلد ورُقيها وثقافتنا)
- هي المُشاركة الأولى لكِ في مهرجان بيت الدين حدثينا عن إِحساسَكِ الفني بِهَا؟

إحساسي في الغناء على مسرح أثري حجري تاريخي عريق عُمرهُ مِئات السنين، سبقني إِليهِ كِبار الفنانين العُظماء؛ يختلفُ تماماً عن الغِناء في مسرح حديث العهد مُزود بِكل أدوات التكنولوجيا الحديثة والمُعاصِرة، فبِالإضافة إلى العوامِل المُتعلِقة بِموهِبة الفنان بِحد ذاتهِ ونوع الموسيقا واللحن والموسيقيين المُشاركين وكل أدوات التكنولوجيا المعاصرة المُساعِدة. إلا أنني هُنا في هذا الصرح الحضاري العريق وفي الهَواء الطلق وتحت هذهِ القُبة السماوية وضِمن هذهِ الجُدران القديمة؛ أشعُرُ بِطاقة المكان ودفئهِ، وكأن الحيطان عم تحكي معي وأشعُر بِأنها تعطيني قوة وطاقة وتدفعني نحو الامام وهذا الإحساس الدافئ الجميل لم أشعُر بهِ من قبل إلا في بيت الدين. ولا تستطيع أي تِكنولوجيا في العالم أن تصِل بِك لِهذا الإحساس الدافئ الجميل.
شربِل روحانا ... اِسمٌ رائِجٌ في عالِم العود والذي يمزِجُ ما بين الفن الشرقي والفن الغربي أمتعنا وأطربنا في الفقرة الأخيرة مِن الحفل، وكانت هذه وقفتنا الأخيرة معهُ ...


-      برأيِكَ كم هُو غنيٌ ومٌفيد ومٌمتع خلق هذا المزيج ما بين الموسيقا العربية والموسيقا الغربية لإضافة رونق جديد للفن؟

هذا الدمج بين الشرق والغرب ليس بِجديد وقُد قُمنا بِهِذهِ المُحاولات في لُبنان وخارج لُبنان مرات عديدة ومُنذ زمنِ طويل، وهذهِ الطريقة على هذا النحوُ أصبحت دارِجة ومُحببة لِدى شريحة واسِعة مِن الجماهير، ولكِنها بِحاجة لِعازِف مُحترِف يُتقِنُ تقديم هذا الدمج بِشكل لائِق ومُنسجِم.


-     وكم مِن المُمكِن أن يُساهِم هذا العمل بتعريف الغرب على الثقافة العربية وأهميتها، وتقريب وجهات النظر مِما يصُبُ في مصلحة قضايانا؟

بِالتأكيد إِن الموسيقا هي لُغة عالمية بلا حروف وبلا أبجدية، فهي تُقرِّب الناس مِن بعضِهِم البعض وتجعلُ الافراد المُختلِفون فكرياً وثقافياً يتعرفون على ثقافات بعضِهِم البعض المُختلِفة عن كُلّ واحِد مِنهُم بطريقة فنيّة مُمتِعة تبعثُ السعادة والفرح، وبِناءاً على ذلِكَ فالموسيقا أداة هامة جداً تصنعُ همزة وصل حقيقية بين الشعوب المُختلِفة وجسر حقيقي لِلتواصُل الفعّال واللطيف.