
بين أوراق الشجر،كانت تختبئ أفعى خبيثة. لا يظهر منها غير عيونها التي تتحرّك بإستمرار، تحت غشاء شفاف أطبقته لتتظاهر بانها نائمة. وهي بالحقيقة ترى كلّ ما يدور من حولها بسهولة ووضوح.
الافعى شديدة التوتر. تحرك رأسها باستمرار، وكأن رائحة أو شيء ما يثير إهتمامها.
إنها تقوم بتحريك لسانها بكل إتجاه كي تستطيع الشم وأستكشاف المحيط.
في الغصن المقابل للأفعى، هناك عصفورة مجتهدة تبني عشّها بكل عناية وفرح.
إنها تتحضر لوضع بيوضها، وإنجاب فراخها، بكل حماس ومحبة.
العصفورة كثيرة الحركة، متعددة الطيران. في كل رحلة تأتي بمادة من مواد البناء التي تحتاجها لإنجاز بيت المستقبل. تارةً تأتي بالقش اليابس، وطوراً تأتي بالطين، وكثيراً ما تنقل الماء بمنقارها لتليِّن به الطين من أجل إعداد بيت جميل لأطفالها المنتظرين.
العصفورة تجتهد وتعمل، والافعى تضحك في سرّها لأن العصفورة المسكينة لا تدري ماذا ينتظرها وينتظر فراخها.
فهي تراقبها عن كثب، وتتابعها لحظة بلحظة بكل دقة وإهتمام. كما أنها لا تدع أي شاردة او واردة تمر دون أن تلحظها لتفهم الهدف والغاية منه.
العصفورة لم تشعر أبداً بوجود الافعى، ولا تعرف شيئا عن ذلك.
فالافعى تتقن فن التمويه والخداع والعصفورة كثيرة الانشغال ولا تهتم الا بشؤون بيتها وأطفالها.
في يوم دافئ لاحظت الافعى توتر العصفورة وأرتباكها في العمل، فأيقنت بأنها على وشك وضع بيوضها.
لهذا، صامت عن الطعام إستعداداً لالتهام وجبتها المفضلة من بيض العصافير، واستمرَّت بالمراقبة حتى يحين الموعد.
العصفورة ذكية، شديدة الحظر. تعلم جيداً أنها ليست الوحيدة في هذا الغاب. وأنها تتشارك الحياة مع من هو صديق ومحب، و مع من هو عدوٌّ وخبيث.
ودائماً تردد في نفسها: "هذه هي سنة الحياة، وعلينا أن نتقبلها ونتحكم بها بعقلنا ووعينا، حتى نحمي أنفسنا من ظلم ووحشية الشرّ والأشرار .
بنت العصفورة عشّها وبيت أطفالها بكل دقة وعناية، وجعلت أقسامه الداخلية مريحة وآمنة.
كما جعلته من الخارج لوحة فنية بشكل بيضاوي، ناعم الملمس، مخفي المداخل، ترابي اللون.
الداخل مقسّم إلى جيبين: جيب مخصص لوضع البيض ونمو الفراخ، وآخر فارغ جعلته مصيدة للأعداء.
أما مدخل العش فقد وضعت فيه كل فنها ومهارتها ، وقسمته إلى قسمين: قسم، بمثابة مدخل إلى جيب البيض.
مستطيل رقيق، أشبه بالصمام الذي يقفل مباشرة بعد الدخول أو الخروج منه. وقسم بمثابة مدخل إلى الجيب الفارغ ،
وهو واسع، دائري، مفتوح بإستمرار. بعد أن انتهت العصفورة من بناء العش، دخلت الجيب المخصص للفراخ.
بعد لحظات من الجهد والعناء وضعت بيوضها والفرحة تغمر قلبها.
ثمَّ، خرجت تجمع ما يكفيها من مؤونة للفترة التي ستحتضن فيها هذه البيوض حتى تنقف، وتخرج منها الفراخ.
فرحت الافعى بمغادرة العصفورة للعش. وهي التي تراقب بإستمرار، بإنتظار هذه اللحظة السعيدة التي أعدت لها نفسها، بعد أن صامت قبل عدة أيام، إستعداداً لالتهام وجبتها المفضلة من البيض الذي تحبه كثيراً.
رفعت الأفعى رأسها، وحركت ذيلها، إستعراضاً لتخويف الأعداء. ثم، زحفت باتجاه العش بكل ثقة ونشوة. وصلت اليه ونظرت من حولها نظرة القوي المنتصر الذي صبر وكسب.
أدخلت رأسها في العش من الفتحة الوهمية الواسعة التي بنتها العصفورة لإيهام الأعداء والأشرار والايقاع بهم.
فتحت فمها على وسعه لالتقاط البيض والتهامه بعد طول صيام.
لكن هذه الغبية كانت صدمتها عنيفة.
فهي لم تجد أي أثر للبيض.
حاولت جاهدة مراراً وتكراراً ان تبحث عن أي شيء تلتهمه فلم تجد الا الفراغ. خرجت الافعى من العش ناقمة، غاضبة، تصدر فحيحاً يسمع في كل المحيط. من بعيد رأتها العصفورة، الذكية، التي راحت تضحك من سرِّها وهي تقول: " الحكمة هي خلاصة عقل يتأمل في هذا الكون، وقلب يتألم من وحشية الأشرار. فالعقل ينذرنا بما ينبغي تجنبه، والقلب يقول لنا ما ينبغي فعله. وصاحب العقل السليم هو من يتعلم من تجارب هذه الحياة. " ثم أكملت تقول: " الحمدلله اني تعلمت الدرس واتخذت الحيطة والحذر، فحميت نفسي وفراخي". أمّا الافعى الغبية التي لا ذاكرة لها، فقد بقيت على غبائها ولم تنفعها قوتها ووحشيتها، أمام قوة وتبصر العقل.