وموقف الحاكم بأمر الله منهما!!!
الكاتبة والباحثة الاستاذة
ايمان أبو شاهين يوسف
كان الحاكم بأمر الله يرى ان الثقة هي أصل الأمانة، والأمانة هي مفتاح الصدق. والثقة بنظره ليست مجرد علاقة بين البشر ، بل هي عهد مقدس بين الانسان والله تعالى، وبالقياس هي علاقة بين الحاكم وشعبه. ولهذا ، فإن نقض الأمانة من وجهة نظره هي خيانة لله قبل ان تكون خيانة للبشر. وفي فلسفته ، الخيانة ليست مخالفة للقانون والأخلاق وحسب، بل هي هدم ركن من أركان العمران الإلهي.. وقد قال في أحد خطاباته: " من خان الأمانة، خلع رداء الإنسانية عنه، واستحق أن ينبذ من الأرض والسماء." وكانت الثقة عند الحاكم بأمر الله هي الأصل، وعلى أساسها يتعامل مع الناس والمسؤولين في خلافته، وإذا ثبت أن مسؤولا أو موظفاً أو واليا قد أساء الأمانة ، إي أساء استخدام ثقته أو خان أمانته، فلم يجد عنده شفاعة مهما علت درجته ومقامه.
يحكى أن أحد الولاة في الشام قد استغل غياب رقابة الدولة لجباية الأموال وفَرَضَ الضرائب الباهظة على الفقراء. رفع الناس شكاوى للحاكم بأمر الله، فأرسل له رسالة مقتضبة يقوال فيها: " قد بلغتني صيحات من أرض أمَّنْتَك عليها، فإما أن تعيد الميزان كما كان، أو أُرسل إليك من يُقيم العدلَ على قبرك." والحاكم لم يكن يمنح ثقته بسهولة، وإذا منحها، لم تكن دائمة، بل كان يختبر صاحبها باستمرار ، فإذا أفلح كُرِّم وقُرِّب من جلساء الحاكم. أما أذا خاب فيكون قد جنى على نفسه لأنه خائن يستحق العقاب.
قال الحاكم بأمر الله في خطاب له: " الدولة أمانة، والمنصب أمانة، والكلمة أمانة. ومن خان واحدة، سقط من عيني، وسقط من عين الله."
وفي كتابات نُسِبَت إليه، يشبه الخائن ب" السمّ الذي يُلقى في نهر يشرب منه الناس." أي أن أثره لا يُفْسِد نفسه فقط، بل يُفسِد المجتمع بأكمله. لهذا فقد جعل الحاكم بأمر الله من الثقة والأمانة عمودا فقرياً لحكمه.
وشبّه ثقة الناس بك بمرآة معلقة على جدار القلب، فإذا صنت الأمانة ، بقيت صافية تعكس وجهك بنور. وإذا كذبت أو خنت، تشققت... حتى إن حاولت إصلاحها، تبقى الكسور مرئية، والإنعكاس مشوهاً... أما الخائن، فهو كمن فقد ظله في الظُهر. يحاول أن يراه...لكن الشمس لا تعطي ظلاً لمن لم يعد له ثقلٌ على الأرض.
ومن خان الأمانة ونكث في عهده، يكون قد قطع الجسر الذي يصل بينه وبين الخليفة. بل وأكثر من ذلك، يكون قد قطع الجسر بينه وبين العدالة الإلهية نفسها.
المراجع:
1-" النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" – ابن تغري بردي.
2-" المقدمة" وكتاب العبر. – ابن خلدون
3-"أنماط الحلفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا" – المقريزي.
4- " الحاكم بأمر الله، الخليفة الفاطمي الغامض" – د. عارف تامر.