الأمير فخر الدين المعني الكبير
الشيخ المؤرخ مكرم المصري - 22 - 3 - 2022
فخر الدين المعني الثاني أو فخر الدين الثاني بن قرقماز (1572 - 1635)، هو إبن الأمير قرقماز بن المعني الدرزي و أبن الأميرة نسب. وهو أحد أمراء لبنان وحاكم جبل الشوف، حكم المناطق الممتدة بين يافا وطرابلس، مكث في الحكم بين عامي 1590 و 1625. يختلف المؤرخين بدينه وطائفته بين سني ودرزي وماروني بسبب مواقفه المعتدلة وهو من بنى وأسس لبنان الحديث، ولكن المؤكد أنه درزي ومن بني معروف.
يقول اللواء الأحدب المتقاعد في كتابه أنه ومنذ ان تولى فخر الدين الحكم شعر أن لبنانه اي الشوف ليس كل وطنه وأنه لن يتمكن أبداً من بناء وطن كبير ما لم ينهج نهجاً معاكساً لنهج السلطنة التي حكمت بسياسة "فرق تسد". ولكي يتمكن من إعادة الوحدة للمقاطعات اللبنانية، التي فرقها الحكام الخارجيون، كان عليه ان يهادن السلطنة وبذات الوقت يضم المقاطعات واحدة بعد الأخرى. وبدأ أولاً بالمدن الواقعة على البحر. وذلك لأن البحر كان مهماً للبنانيين على مرّ العصور لأنه المتنفس الوحيد لهم ولتجارتهم ولفك حصارهم. وبدأ الّحاق المقاطعات اللبنانية واحدة تلو الأخرى بواسطة إقناع حكام المقاطعات بمشروع بناء لبنان حرّ من السلطة العثّمانية وحكامها.
ففي ذلك العام، اي 1623 وبعد ضم طرابلس استطاع الأميرفخرالدين ان يمتد شمالًا حتى طوروسامانوس على حدود تركيا حاليًا، وجنوبًا حتى العقبة والعريش في مصر حاليًا، ومناطق على تخوم دمشق، ومنطقة تدمر حيث بنى قلعة هناك. في 31 تشرين الاول 1622 إسّتطاع الأمير فخر الدين الثاني الكبير بجيشه المؤلف من خمسة الاف مقاتل لبناني من جميع الطوائف والعائلات اللبنانية المعروفة بذلك الوقت ، من الإنتصار على جيش والي دمشق مصطفى باشا الذي تجاوز جيشه 12 الف مقاتل من دمشقيين وانكشارية وتركمان وبدو ومن آل سيفا وآل حرفوش. ومن نتائج المعركة أن مصطفى باشا وقع في الأسر ولكن فخر الدين سار على تقاليده وعفى عن مصطفى باشا آملاً ان يفهم الخصوم والأعداء أن نوايا اللبنانيون العيش بسلام.
أحلام الوحدة اللبنانية تعاود الأمير فخر الدين وخاصةً بعد ان عاد من منفاه سرى نبأ عودة الامير الى لبنان. وكان الامير علي في غيبة والده قد استرجع بهمة جيشه المقاطعات التي استولى عليها والده قبل النفي، من الفتوح شمالًا حتى عكا جنوبًا. ثم عمد الى اتمام مشروع الوحدة بضم لبنان الشمالي ولبنان الشرقي لكي يتمكن بعدئذٍ من خلقِ الوطن الذي طالما حلم به. وفي عام 1624 مات ابن سيفا فاسندت السلطنة العثمانية ولاية طرابلس الى ابن فخر الدين، الامير حسين. وهكذا تحققت أحلامه، فبعد ان كان لبنان اربع عشرة مقاطعة .
كانت صفد منذ 1608 تابعة لامارته ومعها الجليل وعكا والناصرة وطبريا، فلما انتصر في عنجر على والي دمشق، كما مر معنا ، أقره هذا الوالي على عجلون ونابلس وحوران.
التوسع نحو الشمال
بعد ان امتدت إمارته من الجنوب الى المناطق المذكورة أعلاه، إنصرف فخر الدين الى الشمال، فاستولى على سلمية وحمص وحماة، ثم امتدّ نفوذه الى حلب وانطاكية فبنى قلعة قرب حلب، وقلعة في انطاكية، وقلعة في تدمر.
وما ان اسّتلم الحكم حتى نهض على رأس حملة من رجاله، وسار بهم في رحلة استغرقت ثمانية اشهر فجال في سوريا وفلسطين من أقصاها لأقصاها، مرتباً أمور مملكته الواسعة، كابحاً جماح العصاة قاطعاً دابر الإجرام، رمّم التحصينات مجهّزاً أياها بالأعتدة والزاد والرجال، فخضعت لأمره الرعية والسناجق والولاة، وخيم الأمن والعدل على طول البلاد، وأمنت السابلة والقوافل وذاق الناس لعشر سنين متوالية طعم الراحة والرفاهية.
بعد أن فهم العثمانيون ان أهداف فخر الدين ليست فقط جمع الضرائب والتوسع قليلاً في منطقته، بل بناء لبنان حديث ومسّتقل، جمّع الباب العالي 45000 مقاتل من الأتراك ورجال الولاة وشنوا حملة لإسقاط الأمير ولوقف هدم كل المنجزات السياسية والعمرانية. وهذا بالفعل ما حصل بعد ان إسّتمر لبنان بالإسّتقلال الذاتي بوراثة الشهابيين بحكم لبنان.
ب-من أقواله:
يبقى ان نختم هذه الصفحة الطويلة بالقول ان الأمير نفسه قدّ قال لملك اسبانيا، عندما عرض عليه البقاء في اسبانيا وحكم مقاطعات اسبانية، "لم آت لحكم ولا لملك، انما اتيت لحماية لبنان".
في مكان آخر قال: "انا ايش اريد من السلطان، انا راضي باللقمه وشربة الماء، وانظر والدتي واهلي وان ما رضوا مني بذلك والا الجبال واسعة ، وان كان ما تساعنا الجبال ولا الدنيا واسعة".
هذه شخصية سياسية من جبل لبنان أعطت الصبغة السياسية لباقي حكام الدروز في الجبل ان تسير على منوالها وإن كانت تتفاوت بين أمير وأخر . ولكن بقيت الصبغة الوطنية اللبنانية غالبة على معظم الشخصيات التي أتت بعد فخر الدين.
برأي المتواضع كان للدروز دوراً ريادياً على مسرح السياسة في لبنان، وخاصة في العصرالحديث الذي شهد أحداثا ومتغيرات دولية كبيرة، وما شهدته المنطقة والساحة العربية من حروب ومنازعات، فقد فرض الموقف عليهم ان يكونوا حاضرين للحفاظ على وجودهم الجغرافي والسياسي وإن كان الحظ لم يحالفهم تماما في تلك التطلعات، ولكن في غمرة الأحداث بقوا محافظين الى حد ما تقريبًا على إمتيازاتهم السياسية والإجتماعية، وقد غلب على الأمراء الدروز طابع الوطنية اللبنانية والتعصب لها واكبر مثال على ذلك كان الأمير فخر الدين والذي معه يمكننا القول أنه هو من أسس لبنان الحديث.
