الدروز في الأردن: إخلاص صامت وتاريخ مشرق في بناء الدولة؛
عن حضورهم السياسي والديني والاجتماعي في المملكة:
كتبه: فاروق غانم خدّاج كاتب لبناني مهتم بالفكر الديني والاجتماعي، يكتب باللغتين العربية والإنجليزية، بأسلوب يمزج بين العمق والوضوح، وله منشورات في قضايا الهوية والعلاقة بين الشرق والغرب.
( نُشرت هذه المقالة بالانكليزية على موقعي medium و substack )
في فسيفساء التعددية الدينية والإجتماعية التي تتميز بها المملكة الأردنية الهاشمية، يشكل الموحدون الدروز جزءًا أصيلًا من النسيج الوطني، ساهموا فيه بصمت وكفاءة منذ بدايات تأسيس الدولة وحتى اليوم. ورغم أن عددهم في الأردن قليل نسبيًا، إلا أن حضورهم السياسي، الاجتماعي، والعسكري لا يمكن إغفاله، بل هو شاهد على إخلاصهم العميق وارتباطهم الوثيق بالمملكة.
جذور الوجود الدرزي في الأردن
بدأ استقرار الدروز في شرق الأردن منذ أواخر القرن التاسع عشر، وتحديدًا في مناطق مثل الأزرق ووادي السرحان، قبل أن ينتقل بعضهم إلى عمان والمناطق الحضرية الأخرى مع تَشكُّل الدولة. وجاء معظمهم من جبل الدروز في سوريا ومن فلسطين، بحثًا عن الاستقرار في ظل ظروف سياسية متقلبة.
عرف المجتمع الدرزي بميوله المحافظة وتماسكه الداخلي، إلا أنه لم يكن منغلقًا على ذاته، بل انخرط أفراده بسرعة في مؤسسات الدولة الناشئة، وشاركوا في بناء البنية الإدارية والعسكرية والسياسية للأردن.
مشاركة مبكرة في الحكم:
أول رئيس وزراء
من العلامات البارزة على حضور الدروز في الحياة السياسية الأردنية أن رئيس الوزراء الأول في تاريخ إمارة شرق الأردن كان من الطائفة الدرزية، وهو رشيد طليع، الذي تولى المنصب في عام 1921. لم تكن هذه التسمية رمزية، بل أتت تقديرًا لكفاءته ودوره في التواصل بين المكوّنات الاجتماعية آنذاك، ولإيمانه العميق بمشروع الدولة الحديثة بقيادة الأمير عبد الله بن الحسين.
رشيد طليع لم يكن مجرد اسم، بل أحد رجالات النهضة العربية وممن شاركوا في الثورة العربية الكبرى. وحين اختير لرئاسة أول حكومة، كانت تلك رسالة ثقة بالمكوّن الدرزي، وإدراكًا لحيويته في تأسيس الدولة.
رشيد طليع اول رئيس وزراء اردني
الدروز والجيش الأردني
أظهر الدروز إخلاصًا لافتًا في الخدمة العسكرية، ويبرز العديد من الضباط من الطائفة في صفوف الجيش العربي الأردني. هذا التقدير للدولة لم يكن مرتبطًا بالمصالح بل بقناعة راسخة لديهم أن الولاء للدولة التي تحترم مواطنيها هو التزام ديني وأخلاقي.
ساهم بعضهم في الدفاع عن فلسطين عام 1948، وشاركوا في المعارك الكبرى التي خاضتها المملكة. ولا تزال أسماء العديد منهم حاضرة في ذاكرة المؤسسة العسكرية الأردنية.
العدد والموقع
لا يتجاوز عدد الدروز في الأردن بضعة آلاف (تقديرات غير رسمية تشير إلى نحو 10 آلاف نسمة)، يتركّزون في عمان ووادي السير والأزرق، ولهم وجود في الحياة العامة عبر رجال الأعمال، الأكاديميين، وبعض الكوادر الإدارية.
ورغم قلة عددهم، إلا أن حضورهم متوازن ومتفاعل، بعيد عن الضوضاء الإعلامية، وأقرب إلى العمل بصمت وإخلاص.
المحامي الاستاذ فيصل الأعور عضو مجلس النواب الأردني
علاقتهم بجيرانهم والدولة
تتميز علاقة الدروز في الأردن بجيرانهم من العشائر الأردنية بعلاقات ودية تقوم على الاحترام المتبادل، والتعاون، والانصهار في الهمّ الوطني المشترك. لم يسجَّل عنهم ما يشير إلى نزعات انعزالية أو تصادمية، بل كانوا ولا يزالون جسر تواصل بين مكونات المنطقة.
من جهة أخرى، يحظى الدروز باحترام المؤسسة الملكية، وهناك اهتمام دائم بإشراكهم في الحياة العامة وضمان تمثيلهم في مواقع معينة. ولم تسجَّل في الأردن أية حوادث تمييزية تجاه الطائفة، بل على العكس، يُنظر إليهم كمكوّن وطني فاعل ومحترم.
خاتمة
يبقى الدروز في الأردن نموذجًا للمواطنة المسؤولة، التي تحفظ خصوصيتها الدينية وفي الوقت ذاته تنخرط بفعالية في بناء الدولة. من أول رئيس وزراء في تاريخ البلاد إلى جندي مجهول في إحدى الثكنات، ومن أكاديمي إلى عامل ميداني، يُجسّد أبناء الطائفة الدرزية في الأردن معاني الوفاء والولاء والانتماء، ليظلوا كما كانوا دائمًا: شركاء في المصير والبناء.
@جميع الحقوق محفوظة