الكاتبة والباحثة
الاستاذة إيمان أبو شاهين
حاول علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الاجتماع وضع تصوّر منطقي عن كيفيّة التطور البشري، وقدموا من وجهة نظرهم قصة طويلة لتطور حياة البشر عبر الاف السنين، اختزلت مجموعة من أنماط المجتمعات البشرية كان لكل منها خصائصه الثقافية المختلفة عن الآخرين.
ولتّمييز بين أنماط المجتمعات فقد اعتمد هؤلاء العلماء على نوع الإنتاج الاقتصادي التي تعتمد عليه كلّ مرحلة. والطريقة التي يجنى بها. بدءاً من مجتمعات الصيد وجمع الثمار والنبات.
الى مجتمعات الرعي والزراعة، ثمّ الحضارات التقليدية، وبعدها المجتمعات الحديثة (عصر التصنيع)، وآخرها المجتمعات الحاضرة (عصر التكنولوجيا). عصر التكنولوجيا لا يتميز كثيرا من حيث نوع الإنتاج والطريقة التي يُنتج بها عن العصر الصناعي، وإن ما يميزه هو الثقافة الجديدة وتطور علم التكنولوجيا وخاصة الذكاء الاصطناعي، الذي اصبح تقنية معتمدة في كافة النشاطات الإنسانية تقريباّ. حيث نقلت هذه لابتكارات التكنولوجية حياة الانسان الثقافية والاجتماعية من مكان الى مكان آخر من الحياة.
وادّت هذه التقنية الى نتائج إيجابية، بجهد، ووقت، وتكلفة اقل. كما وفّرت فرصا مميزة أسست لظروف جديدة ومختلفة للحياة. ومن اهم التغييرات التي احدثتها التكنولوجيا:
- جعل الكرة الأرضية قرية عالمية واحدة.
- تطور وسائل النقل والاتصال.
- دخول التكنولوجيا في نظام المصانع والآلات.
- تطور التقنيات الزراعية.
- تطور التقنيات الطبية.
- تطور تقنيات التعليم .
- تطور نظم الطبقات الاجتماعية.
- تطور تقنيات الشركات والمؤسسات الاقتصادية.
وغيرها الكثير من التغييرات.
واذا كان من الممكن المرور من مرحلة الى أخرى من المراحل الاجتماعية دون تناول المخاطر التي هددت كل مرحلة من هذه المراحل خاصة على المستوى الاجتماعي.
فمن وجهة نظر العديد من الباحثين والعلماء الاجتماعيين فإنه لا يمكن ا بدا التغاضي عن المخاطر التي تكتنف مرحلة التكنولوجيا لتي قلبت المقاييس والمبادئ الاجتماعية رأسا على عقب، خصوصا بعد دخول تطبيق الذكاء الاصطناعي في كل مجالات النشاط الإنساني، واهمها على المستويين الأمني والاقتصادي. يقول الباحثون بانه لا يخفى على احد الفوائد التي ادخلتها التكنولوجيا على حياة الانسان والتغيير الجذري الذي احدثته، سواء من حيث التحديث، والمرونة، والسرعة في العمل، او من حيث تخفيف كلفة العمل.
وذلك على جميع مستويات مجالات العمل. وذكروا بانه مع تقدّم التكنولوجيا اصبح هناك نوعان من الذكاء الاصطناعي: الذكاء الاصطناعي الضعيف وهو برنامج مصمم أساسا لإنجاز مهام وظيفية روتينية، كتنظيف الأرض، وقيادة السيارة، والحراسة، وجمع وإعداد البيانات، وتصنيف المعلومات، التسوق، تطبيق الخرائط...
والذكاء الاصطناعي العام او القوي: وهو برنامج يحاكي الانسان ومتعدد المهام. ورغم ان البعض يعتبرون ان الخيال العلمي عند الانسان هو اشبه بالكابوس وان الذكاء الاصطناعي القوي هو بعيد المنال، فإن وجهة نظر البعض الاخر تثبت عدم جدوى اعتباراتهم، وان خطر هذا الذكاء هو موجود بالفعل ويهدد الانسان بلقمة عيشه وامنه واستمرار الحياة البشرية على هذه الأرض.
لماذا؟
بالعودة لعلماء الاجتماع فان تحديات الذكاء الاصطناعي للإنسان كثيرة ومنها :
- قدرة الذكاء الاصطناعي على تصنيف المعلومات التي لا نري منها الا ما يعتقد البرنامج اننا مهتمون به.
- جَمع الذكاء الاصطناعي بيانات ضخمة عنّا عبر كاميرات الدوائر التلفزيونية مما يعني ان عاداتنا واولوياتنا يمكن التعرف عليها بسهولة ولا وجود للخصوصية بعد اليوم.
- قدرة الذكاء الاصطناعي على تحديد الفرق وبدقة بين الصور التي يدرّب عليها. لكن اذا تغيّر عدد قليل من البيكسلات في الصورة التي يدرّب عليها، ومهما كان هذا التغيير صغيرا وغير مرئي بالنسبة للبشر، فإن تقنية الذكاء الاصطناعي قد تعطي نتائج خطأ ومغلوطة.
لهذا يجب التزام الحدود التقنية عندما يتعلق الامر بالمواضيع الحساسة كالنظام الدفاعي الذي هو مصدر الخطر الحقيقي على الانسان والإنسانية، خاصة اذا كان سببه الخطأ البشري، والانسان بطبيعته غير منزّه عن ذلك. مما يزيد المخاوف على هذا الصعيد بالنسبة للأسلحة النووية والبيولوجية المبرمجة بتقنية الذكاء الاصطناعي.
اما الخطر الآخر وان كان ما زال في مرحلة الاحتمال او الافتراض، هو الخوف من تفوق تقنية الذكاء الاصطناعي على العقل البشري وتمكنه من صياغة الأوامر الذاتية واتخاذ قرار اطلاق الأسلحة النووية بقرار منفرد. مما يهدد البشرية بالفناء. وفي المجال الاقتصادي فقد أدى تبني الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات النشاط الإنساني، من التعليم الى الشركات والمؤسسات، الى المصانع والمستشفيات....
لدفع التغيير بسرعة مذهلة، مع فوائد جوهرية كثيرة للاقتصاد، مقابل التأثير " التخريبي "على العمل والمهن والوظائف. مما يؤدي الى زوال عدد من الوظائف وتغيير البعض الاخر، الامر الذي سينعكس سلبا على العمال الذين سيخسرون وظائفهم وأيضا على الشركات والمؤسسات التي لن تتمكن من مجاراة هذا التغيير وقد تعلن الإفلاس.
وبذلك سوف ترتفع نسبة بالبطالة بين العمال. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن اعتماد معظم الشركات والمؤسسات (صناعية، تجارية، صحية، تعليمية، قانونية.....) على تقنية الذكاء الاصطناعي سيؤدي الى الاستغناء عن اليد العاملة وتفشي ظاهرة البطالة. وتشير بعض الدراسات الى ان الهرم الوظيفي سيحتفظ في المستقبل على نسبة 10% فقط من الموظفين الذين يمتلكون مستوى عال من التعليم ويشغلون رأس الهرم وباقي طبقات الهرم سيعتمدون على الذكاء الاصطناعي الذي هو تحت اشراف رأس الهرم أي نسبة العشرة بالمئة من العمال، وهذا ما يثير المخاوف على المستقبل البشري على الصعيد الاقتصادي وبالتالي على الصعيد الاجتماعي، وينذر بكارثة حقيقية اذا لم يتداركها من بيدهم القرار للمحافظة على التوازن في سوق العمل، سواء من حيث الحفاظ على فرص العمل او من حيث التوجيه الى اختصاصات مطلوبة في سوق العمل.
ولأن التقدم التقني هو دائما من صميم التقدم البشري ومن الصعب تجنب التحديات في ظل أي تقدم، فمن الواضح بان الذكاء الاصطناعي قادر على احداث ثورة في الحياة البشرية اليومية.
لكن من الصعب التنبؤ الى اين ستأخذنا هذه الثورة. ورغم الثقة بان الانسان قادر على احكام سيطرته على كلّ ما يصنع، يجب التشديد دائما على وجوب وضع شروط وضوابط تحمي البشرية من الخطأ البشري في مجال الذكاء الاصطناعي وعدم استعماله في المكان الذي سينعكس سلبا على البشرية، خاصة الاستعمال الفردي العشوائي الذي قد يؤدي الى الحد من الابداع البشري وتراجع القدرات الفكرية عند الناس.
المصدر:ultrasawt . com :الموقع الالكترونيالموقع الالكتروني : classpoint. Ioالموقع الالكتروني : Rand Corporation
مجلة الجمعية المصرية للمعلومات وتكنولوجيا الحاسبات