الرواية التاريخية لشجرة الأعياد

مكرم المصري - 23 - 12 - 2021

يعتبر عددًا كبيرًا من المؤرخين أنه يعود أصل شجرة الميلاد إلى تقليدٍ وثني قديم، عمد الرومان فيه إلى الاحتفاء بفصل الشتاء وبعيد الإله ساتورن (إله الخصوبة) عبر تزيين منازلهم ومعابدهم بأغصان شجرة التنوب. تبنت المسيحية هذا الرمز لاحقاً، حتى صار ينسب إليها. أسمتها شجرة الميلاد، لتكون دلالة على إستمرار الحياة وتجدّدها. 

لكن حقيقة شجرة الميلاد تختلف نسبياً عن الروايات القديمة بمكان وتلتقي معها بمكان أخر. حقيقة الأمر أنه يعود تاريخ تزيين الشجرة الى المصريين القدماء، كهنة معبد رع اله الشمس والذي تحول مع سيدنا أخناتون الى كهنة معبد أتون إله الواحد أحد المتوفي عام 1354ق.م، استناداً الى أن كهنة اله الشمس كانوا متواجدين في  مصر قبل نشوء الحضارة الرومانية بالآف السنين، وتذكر المصادر التاريخية أن كبير فلاسفة اليونان طليس تعرف على الفيلسوف فيثاغورس الذي كان بعمر ثمانية عشر عاماً، وقد تأثر هذا الأخير بالحضارة المصرية وتحديداً بكهنة معبد أتون أو كهنة معبد رع ونقل معه الى اليونان الديانة الجديدة مضطهداً تعدد الألهة ، قبل وفاته عام 495ق.م. 

يعتبر جزءاً من المؤرخين أنه لشجر التنوب رمزية خاصة لدى بعض الشعوب القديمة، ذلك أن خضرتها الدائمة، حتى في فصل الشتاء، مثلت الأمل الموعود بالربيع. جرت العادة أن يعلّق هؤلاء أغصان التنوب فوق أبوابهم ونوافذهم ظناً منهم أنها تساهم في إبعاد المشعوذين، الأشباح، والأرواح الشريرة. آمن الرومان بإله الشمس، وكانوا يعتقدون في بادئ الأمر بأن الشتاء يأتي بسبب مرض الإله وضعفه، فكانوا يحتفون بموسم الشتاء لأنه يرمز بالنسبة إليهم إلى بداية تعافي الإله من مرضه. أما الأغصان دائمة الخضرة، فكانت لتذكيرهم بإقتراب شفاء الشمس وعودة الصيف، التي تمثل بالنسبة إليهم "إنتصار الحياة على الموت". 

إهتم اليونانيون بشجرة العيد وكان لفيلسوف طليس ومن بعده فيثاغورس وابقراط رأي آخر بمعنى الشجرة فقد كانت أشجار التنوب تزين بالملابس الشتوية وتوزع هذه الألبسة على اعداد مختلفة من الأشجار والطرقات البدائية، وكان الفقراء عندما تتزين الأشجار والطرقات بالملابس يأتون ويستبدلون ملابسهم القديمة بالملابس الجديدة دون ان يتسبب ذلك بالإحراج لهم، إيماناً منهم بمبدأ عدم معرفة ما تعطيه اليد اليمنى لليد اليسرى. 

تتعدد الروايات والأساطير عن نشأة شجرة الميلاد المسيحية بصيغتها العصرية. لكن المرجح أن هذا التقليد قد انطلق من ألمانيا خلال عصر النهضة (القرن السادس عشر). فالألمان هم المسيحيون الأوائل الذين أدخلوا الشجرة المزينة إلى منازلهم، وعمدوا أحياناً إلى بناء هرم خشبي وتزيينه بالنباتات الخضراء، الشموع، وأحيانا المأكولات (التفاح وخبز الزنجبيل). وهناك اعتقاد شائع بأن مارتين لوثر الإصلاحي البروتستاني الألماني الأصل، هو أول من زين الشجرة بالشموع محاولاً تقليد مشهد السماء المليئة بالنجوم، وهي عادة تناقلتها الأجيال حتى أصبحت الشجرة تضاء اليوم بأضواء كهربائية تزينها نجمة في الأعلى.

 في الختام ينبغي التنويه إلى أنّ العادات والتقاليد في معظم بلاد العالم عموماً وفي وطننا العربي خصوصًا، يجب أن يكون من باب الاحترام والالتزام لا التقديس، فليسَ من المعقول التعصّب والتزمُّت نحوَ عادات مُعيّنة وتقديسها بطريقة تجعلكَ تشعر أنّها كتاب مقدّس أو وثيقة ثمينة لا يُمكن تجاوزها، فمنها ما هو غثّ ومنها ما هو سّمين، لذا ينبغي "احترامها" بشكل عام وتعليمها للأبناء وحثهم على الالتزام بها وفقًا لما هو صالح وما هو غير صالح وما يتوافق مع الشرائع السماوية والأعراف. 

أما بخلاصة بحثي الخاص حول أصل شجرة الأعياد (الميلاد)، فاسمحوا لي أن أقول أن المعنى الأساسي للشجرة كان وسيبقى، الفرح والسعادة والخير.