نَفَسٌ … 🍂

الكاتب أ. عماد أ. الاعور


فِي بَدءِ الْبَدْءِ،

لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِلَّا سُكُونُ الطِّينِ،

وَفِي لَحْظَةٍ أَزَلِيَّةٍ، 

نَفَخَ الرَّبُّ فِيهِ مِنْ رُوحِِ أَمٌرِهِ،

فَكَانَ أَوَّلُ نَفَسٍ…

وَبِهِ، انْوُجِدَتِ النَّفْسُ.
فَمَا النَّفْسُ إِلَّا صَدًى لِتِلْكَ النَّفْسِ الْأُولَى،

الَّتِي اسْتَقْبَلَتْ فِيهَا الْجَسَدُ الرُّوحَ،

وَمِنْ ذَلِكَ الْمُلْتَقَى،

بَيْنَ اللَّطِيفِ وَالْكَثِيفِ،

بَيْنَ الْأَمْرِ وَالْخَلْقِ،

وُلِدَ الْوُجُودُ الشُّعُورِيُّ،

وَدَخَلَتِ النَّفْسُ فِي الاخْتِبَارِ،

فَكَانَ ذٰلِكَ النَّفَسُ الْأَوَّلُ هُوَ بَوَّابَةَ التَّجْرِبَةِ.

وَكُلُّ نَفَسٍ بَعْدَهُ… 

تَذْكِيرٌ بِالْأَوَّلِ،

وَكُلُّ زَفْرَةٍ… 

صَدًى لِتِلْكَ الْوَهْجَةِ النُّورَانِيَّةِ الْأُولَى.
فَبِنَفَسِ الرُّوحِ،

وَبِنَفَسِ النَّسِيمِ فِي تَنْسِيمَةِ النَّفْسِ فِي الْكَثِيفِ،

تَبْدَأُ الْكَلِمَةُ،وَيَبْدَأُ مَعَهَا الْكَشْفُ…
بِالسُّكِينَةِ الَّتِي تَفُوقُ كُلَّ فَهْمٍ،

وَبِنَفَسِ الرَّوْحِ الَّذِي يَنْفُخُ فِي الطِّينِ مَعْنًى،

وَبِنَفَسِ النَّسِيمِ الَّذِي يَتَسَلَّلُ فِي تَنْسِيمَةِ النَّفْسِ،

فِي عَالَمِ الْكَثِيفِ، 

تَتَجَلَّى التَّرْكِيبَةُ…
تَرْكِيبَةٌ بَيْنَ اللَّطِيفِ وَالْكَثِيفِ،

بَيْنَ نَسْمَةٍ تَتَمَايَلُ فِي الْغُيُوبِ،

وَنَفَسٍ يَخْفُقُ فِي الْأَضْلَاعِ،

وَنَفْسٍ خُوطِبَتْ لِتَحْمِلَ سِرَّ الْخِبْرَةِ، 

وَتَخُوضَ مَتَاهَاتِ الْعَالَمِ الْمُتَجَسِّدِ.
نَسِيمُ اللُّطْفِ يَجْتَاحُ،

وَيُغَيِّبُ فِي دَفْقَاتِهِ كَثَافَةَ الْجَسَدِ،

فَتَصِيرُ الْأَطْيَافُ كَأَنَّهَا صَدًى لِنُورٍ،

يُقْرَأُ بِالْجَوَارِحِ،

تَتَلَقَّاهُ الْحَوَاسُّ كَكِتَابٍ مَكْشُوفٍ.
فِي أَعْمَاقِ النَّفْسِ،

أَنْفَسَ الْخَالِقُ فِيهَا مِنْ إِرَادَتِهِ،

فَتَجَلَّتْ فِي الْكَثِيفِ،

لِتَسْتَدِلَّ بِهَذِهِ التَّجْرِبَةِ عَلَى كُنْهِهَا،

وَكُلُّ نَفْسٍ تُخَاضُ فِيهَا تَجَارِبُ لا نِهَائِيَّة،

بِحَسَبِ وُسْعِهَا وَقُدْرَتِهَا،

وَقَدْ قِيلَ: "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى"،

وَ"كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ".
وَإِنَّ فِي دَاخِلِهَا حَنِينًا…

حَنِينًا إِلَى رِدَائِهَا الأَوَّلِ: 

الرُّوحِ.ذَلِكَ الرِّدَاءُ الْخَفِيُّ،

الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْكَثِيفِ،

وَالرُّوحُ تَشْتَاقُ،

تَتَوَقُ،تَرْتَقِبُ… 

العَودَةَ إِلَى نُقْطَةِ البَدءِ.
وَمَا الرُّوحُ إِلَّا أَمْرٌ،

وَمَا الأَمْرُ إِلَّا نُورٌ،

وَمَا النُّورُ إِلَّا هُوَ:"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، 

قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي"،

فَـ”كُنْ” جَاءَتْ…

فَكَانَ الْكَوْنُ،

وَكَانَ الْمَكَانُ،

وَكَانَ الْكَائِنُ وَالْمَكْنُونُ.
هُوَ النُّورُ الَّذِي أَبْدَعَهُ المُبْدِعُ،

نُورٌ مِنْ نُورِهِ،

نُورٌ لَا تَحْدُّهُ فِيزْيَاء،

وَلَا يُقَيِّدُهُ وَعَاء،

وَلَا يُسْتَوْعَبُ فِي مَفَاهِيمٍ وَتَرَاكِيبَ،

وَلَا يُحَاصَرُ فِي عَقْلٍ أَوْ خَيَال.
إِنَّمَا يُدْرَكُ بِـ اليَقِينِ،

بِـ الصِّدْقِ،

بِـ الرِّضَا،

بِـ التَّسْلِيمِ،

فَفِيهِ الطُّمَأْنِينَةُ

،وَمِنْهُ الْبَدْءُ وَالْمُنْتَهَى.
اللَّهُمَّ،

امْنَحْنِي أَنْ أَلْمَسَ النُّورَ الَّذِي مِنْهُ تَكَوَّنْتُ،

وَفِيهِ أَسْتَرِيحُ،

وَإِلَيْهِ أَئُوبُ.


@جميع الحقوق محفوظة