الزواج  وضمانة استمرار العنصر البشري

ايمان ابو شاهين يوسف - 11- 7- 2023

 الزواج رابطة توافقية قانونية قويّة بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الاحصان والعفاف وإنشاء اسرة مستقرة لها وظيفتها الاجتماعية في الحفاظ على استمرارية الجنس البشري ونقل التقاليد والتراث من جيل الى أخر. 

كلمة زواج استعملت منذ القدم وهي بمعنى الازدواج، وذلك تشبّها بالقانون الطبيعي لكل مخلوقات الأرض من اجل الاستمرار والتكاثر. والازدواج طبيعيا لا يحدث إلا بين نقيضين (سلبي وايجابي) لتكوين الوحدة المكونة من الازدواج.

  بالنسبة للكائنات الحية هاذين النقيضين هما الانثى والذكر اللذين يجتمعان ليشكلا الوحدة التي هي الاسرة والتي منها يتأمن التكاثر وانجاب الأطفال الذين سيحافظون على استمرار الجنس البشري في الحياة. وغير ذلك من تعريف للزواج فانه مخالف للقانون الطبيعي والديني والأخلاقي ويهدّد بأمراض نفسية وجسدية، وبانقراض السلالة البشرية مهما كانت له من تبريرات التي هي بمعظمها غير مقنعة وتصب في مصلحة الأثرياء او من يعبدون المال والثروات.

 تنوّعت تقاليد الزواج عبر التاريخ، كما تنوعت بالزمن الواحد بين الحضارات، وقد نظّم قانونيا اول سجل رسمي لعقد زواج عام 2350 قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين. واخذت تتطور مؤسسة الزواج عبر السنين حيث عرفت اهتماما خاصا ومتقدما عند الفراعنة الذين كانوا متقدمين بنظرتهم للمساواة بين المرأة والرجل. وعند الرومان الذين اضافوا الشرط العاطفي للزواج، وعند اليونان الذين اكسبوا الزواج بالإضافة للعاطفة، شيئا من الألوهية إضافة الى الدوافع الغرائزية عند الجميع.

 أمّا عن طقوس الزواج فإنها مختلفة ومتنوعة بتنوّع الثقافات والحضارات، فنجد في أوروبا مثلا: 

من اقدم طقوس الزواج كان تقديم خاتم الخطوبة، الذي ظهر لأول مرة في روما القديمة حيث كان يوضع في اصبع اليسار لتجسيد هدف العاطفة من الزواج الذي يرتبط بالحب والرغبة في الآخر والذي يمثلها القلب الذي يقع على جهة اليسار من الصدر. 

امّا الطقس الآخر الذي يتلوه قِدَما فهو شهر العسل حيث كان العروسان يكثران من شراب العسل الذي يزيد من معدّل الخصوبة.

 وبعد ذلك جاءت كعكة الزفاف الذي راج استعمالها في القرن الثامن عشر في أوروبا حيث كان يكسر البسكويت او الخبر وينثر على العروس وهي خارجة من دار أهلها الى بيتها الزوجي، وكان الحضور يتهافت على التقاط هذه الكسرات لاعتقادهم بانها فال خير في زواج أبنائهم او زواجهم اذا كانوا غير متزوجين.

 في بلاد ما بين النهرين: كان الزواج بعرف سكان هذه البلاد هو الذي يكفل استمرارية سلالة الاسرة ونسلها. والزواج كان يتم بطريقة تقليدية، أي لا مكان للعاطفة فيه، ولم يكن بناء لرغبة الزوجين، بل الأهل من كان يختار بحسب تقديراتهم الخاصة للتكافؤ بين العائلتين (الاجتماعي والاقتصادي). 

كما كان هناك عادة قديمة عندهم في إقامة مزاد لعرض النساء المرشحات للزواج في مكان واحد من القرية، ويلتفّ حولهم مجموعة من الرجال الذين يطلبون الزواج. وكان الذي يدفع اكثر يحصل على المرأة المعروضة الاجمل، فتذهب النساء الجميلات الى اثرياء بابل والقبيحات الى عامة الناس. 

هذه العادة تدل على عدم إيلاء المرأة احتراما في هذا المجتمع كما تدل على سيطرة الطابع التجاري والشهوة على الزواج، وهذا ما أكده المؤرخ الاغريقي "هيروديت". 

 بعد انهاء العرض والطلب يجرى عقد قانوني بين والد الفتاة والرجل الذي اختارها حيث يدفع هذا الرجل مبلغا من المال مقابل العروس، ثمّ تقام وليمة لانتقال العروس الى منزل زوجها. ومن شروط العقد بان تكون العروس عذراء وقادرة على الانجاب وإلا يمكن للرجل ان يطلب ابطال هذا العقد. والواضح ان الهدف الأساسي من الزواج هو الانجاب. وعند عدم قدرة المرأة على الانجاب يمكن إبطال العقد لعدم توفر السبب الذي أنشأه. 

والشرط الثاني ان تكون عذراء. وهذا دليل على عدم جواز العلاقات الجنسية خارج اطار الزواج. ويعني محافظة هذا المجتمع على عفة وكرامة المرأة. 

اما الفراعنة فكانوا يهتمون بالجانب العاطفي للزواج وكان للمرأة مكانتها حيث كانوا يعتبرونها شريكا للزوج في حياته وفي آخرته وليست تابعا له. كما كانت شريكا في اتخاذ القرارات التي تتعلق في امور الاسرة. وعقد الزواج بالنسبة اليهم كان لإثبات اخلاص المرأة للرجل حيث كان لها حرية إقامة علاقة قبل الزواج كالرجل تماما، أما بعد الزواج اذا اقامت أي علاقة برجل غير زوجها تعتبر خيانة لزوجها وتدنيس للرباط الزوجي المقدس الذي ينتج عنه الطلاق او ضرب المرأة حتى الموت. 

الفراعنة كانوا يقدسون الزواج ولا يقبلون بتعدد الزوجات باستثناء الملوك، وكبقية الشعوب كان يتم الاتفاق بين العريس ووالد العروس على عقد الزواج ويوقع عليه شهود ويقدم مهر للعروس. ضمانة لحياتها بعد موت زوجها او في حال الطلاق. 

في حال الطلاق فان الأولاد يتبعون للام وتقسم الممتلكات بحسب الاتفاق قبل الزواج وتحصل المرأة على نفقة شهرية حتى مع عدم وجود أطفال.

 أمّا بالنسبة للعرب قبل الإسلام فقد اختلفت سنن الزواج عندهم باختلاف المناطق والعادات والتقاليد، واختلاف الظروف الاقتصادية. كما عرفوا أنواعا مختلفة لعقود الزواج وأكثرها انتشارا كان زواج البعولة. وكان الشائع عندهم التزوج فيما بينهم ومن نفس القبيلة. 

وكان الزواج يقوم على الخطبة والمهر والايجاب والقبول، أي ان يخطب الرجل لابنته او وليته ويعين لها صداقها ثم يعقد عليها، وكانت قريش ومجمل قبائل العرب على هذا المذهب من الزواج وهو الذي اقرّه الإسلام مع السماح بزواج الرجل بأكثر من امرأة. 

من ابرز حقوق المرأة عند العرب حق اختيار الزوج وحق المهر وقد لاقى الزواج عندهم عناية كبيرة من اجل الحفاظ على النسب وتكوين الاسرة والانجاب للحفاظ على استمراريتهم. وعقد الزواج كان يسجل رسميا ويحدد حقوق وواجبات الطرفين. وكان للمرأة عند العرب موقعها في إدارة شؤون الاسرة. 

اما في الجنوب من شبه الجزيرة العربية كان الوالد او الأخ الأكبر هو الذي يختار العريس، والرجل يتزوج بامرأة واحدة كالأنباط الذين كانوا يقبلون الازواج من خارج المجتمع النبطي.

 اما في المجتمع الإسلامي كانت هدية الزوج المقدمة لزوجته اي الصداق الذي يحدد في العقد، كان امرا واجبا وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وقد جرت العادة بتسجيل صداق الزوج في عقد الزواج وعدم تسجيل جهاز العروس. وصداق الزوج يدفع جزءا منه معجلا وجزءا مؤخرا. وخلال فترة حكم الخلافة الإسلامية كان يبالغ جدا في هذا الصداق حيث يروى عن ابنة امير مملوكي زوجت للابن الأكبر وولي عهد السلطان المملوكي الناصر بن قلاوون بانها اصطحبت جهازا تطلب نقله الى قصر السلطان 800 رجل من الحمّالين و100 من البغال. علما انه عادة يكون الجهاز المقدم من العريس قيمته اكبر بكثير من جهاز العروس مع الإشارة ان المبالغة في جهاز العروس لم يكن حكرا على الطبقة الحاكمة او الأثرياء، بل كان سمة اجتماعية عند كل الطبقات الغنية منها والفقيرة وهذا ما يدل بان للزواج تجاوز مفهومه الطبيعي الى اهداف أخرى اجتماعية اقتصادية واحيانا سياسية. 

اما اليوم وفي الوقت الذي تتراوح فيه نسب الفقر في العالم بحسب التقارير العالمية ما بين 40% الى 80% من عدد سكان العالم حيث يعجزون عن توفير المتطلبات الأساسية للحياة، فقد بلغت نفقات الزواج لبعض المشاهير من الساسة والفنانين ورجال الاعمال الأثرياء مبالغا تكفي لإعانة مجتمعات كاملة وسد عجز ميزانها الاقتصادي، وهناك أمثال كثيرة على ذلك منها: حفل زفاف الاميرة ندى الملك الذي كلّف 78 مليون دولار دفعها والدها شجي الملك، وحفل زفاف لاعب كرة القدم لفريق مانشستر يونايتد وأين روني الذي كلفه 7 ملايين دولار. وحفل زفاف هيفاء وهبي من الملياردير المصري احمد أبو هشيمة عام 2009 الذي كلفه30 مليون دولار حيث كان فستان العروس مرصعا بالماس. وحفل زواج اصغر بنات سلطان اندونيسيا " هامنجكوبونو" 200مليون دولار. ولاعب الغولف الأسترالي جريج نورمان كلفه زواجه 103 مليون دولار. اما كلفة حفل زواج الملكة البريطانية الراحلة اليزابيت وحفل زفاف الاميرة ديانا فحدّث ولا حرج، حيث ان احتفالات زواجهم والاستعراضات التي قدمت كانت اسطورية والناس تتكلم عنها حتى اليوم. وقد تابع ما لا يقل عن 700 مليون انسان أي سدس سكان العالم تقريبا على شاشات التلفزيون احتفال زواج الاميرة ديانا من الأمير تشارلز... 

هذه الأمثلة وغيرها من حفلات الزواج انعكس تأثيرها على كل فئات المجتمع مما اثقل كاهل الفقراء منهم الذين راحوا يقعون تحت رجز الديون لأجل ان يساووا انفسهم بالآخرين. وبسبب تأثير العولمة التي فتحت كل حدود العالم إعلاميا، ثقافيا، واجتماعيا بعضها على البعض الآخر، بات الناس يلمسون ويشاهدون بأم أعينهم الفروقات الاجتماعية والاقتصادية وصار الكل يقلّد الكل وخاصة الفتيات، فلم تعد تنظر لموضوع الزواج بالمنظار الحقيقي والطبيعي له، ولم يعد للركيزة العاطفية او النسب والحسب أي قيمة بنظرها في اختيار الزوج ولم تعد تهتم ببناء اسرة او الحفاظ على استمرارية الجنس البشري، بل هي وكثير من الرجال أيضا همهم المادة وحسب، فمن كان ماهرا في الصيد يتوفق بالطريدة الاسمن. أي انهم يفتشون عن صاحب المال الذي يحقق طموحاتهم وتمنياتهم بشراء احدث طراز للسيارات واجمل الثياب والاحذية واغلى المجوهرات والبيوت. إضافة الى السفر والسهرات وتامين كل وسائل الرفاهية والتسلية.... وهذه الزيجات سببت التعاسة لمعظم من اقدم عليها من النساء لأن فيها عودة لحياة الجواري التي تشترى وتباع. كما كانت سببا لإفلاس معظم الرجال الذين جازفوا بهذا النوع من الزيجات والذي لا يدوم طويلا ويسبب تكاليف طلاق مضاعف او اكثر عن تلك التي تدفع لحفل الزواج، مع ما يحدث من مشاكل ومحاكمات. والحقيقة ان التجارة واضحة وعلنية في هذه زيجات اليوم، والمؤسف ان التاجر والفاجر هي المرأة نفسها التي تعرض نفسها بنفسها للبيع مقابل المال، وبهذا سقطت الى اسفل درك في المجتمع ولو لم يصارحها احد بذلك فإن هذا هو تقييمه الضمني لها. وضيعت بذلك نضال سنوات طويلة من المجاهدة والعمل من اجل ان تصبح المرأة حرّة في قرارها وخيارها مثلها مثل الرجل، هذا النضال الذي ادّى الى تعديل القوانين وتحديثها في اغلب الدول المدنية وبعض الدول النامية التي قدّرت المرأة حق قدرها واعترفت بها شريكا للرجل في الاسرة وجعلت المال الذي تحققه الاسرة بعد الزواج مناصفة بين المرأة والرجل سواء في الطلاق او الوفاة مع وجود الأولاد، كما انها ترثه كما هو يرثها في حال عدم وجود الأولاد، وبهذا تختلف هذه القوانين عن العقود التي تفرض المهر والصداق وهدايا الزواج الى الآن وفي هذا إشارة الى ان المرأة في هذه المجتمعات ما زالت تابعا للرجل وليست شريكا . هذا النوع من القوانين يجعل المرأة تقضي كل حياتها مع زوجها تعمل وتبني وتربي، وفعليا هي لا تملك شيئا ما عدا هذا الصداق الذي حدد لها في عقد الزواج. واحيانا عند الطلاق اذا تبين انها المسؤولة عن ذلك لا يحق لها حتى بالصداق، بل ربما عليها ان تعيد لزوجها تكاليف الزواج والهدايا المقدمة منه. واذا حصل وفاة فيذهب بيتها وجميع ما تعبت به الى الورثة ولا يبقى لها سوى حصة زهيدة لا تكفل لها الاستمرار الكريم في حياتها وتصبح عرضة للحاجة والاستغلال. 

هذا الفكر التجاري الذي كان وما زال يدير عملية الزواج في بعض المجتمعات، تجاوزته عقود الزواج في الدول المتقدمة المبنية على قبول الزوجين ومشاركتهما الحياة بكل ما من معنى للمشاركة، وبهذا بنيت الاسر بتوازن وعاشت باستقرار وأمان، خاصة انها ترافقت مع قانون ضمان اجتماعي يحمي الانسان، خصوصا في فترة الشيخوخة، حيث اطمأن الجميع نساء ورجال على حياتهم عند العجز وراحوا يعملون بجد ومحبة ونشاط لبناء اسرهم ودولهم التي ترعاهم. 

هذا النوع من القوانين يجب ان يعمم على جميع المجتمعات في مختلف دول العالم وعوض تقليد السيئات من ثقافة الاخرين والجنوح نحو الهاوية، فمن الافضل للإنسان ان يأخذ عن غيره ما يوفر له السعادة والكرامة وحماية إنسانية الانسان. كما وعلى الجميع تجاوز هذا التكالب المادي الذي يدمّر الانسان ويحرمه من قِيَمه وسعادته في الحياة وخصوصا النساء الجاهلات اللواتي يعتقدن انهن اذكياء ويقدرن على التلاعب بالرجال غير مدركين انهن يقدمون كرامتهن وحريتهن واقدس ما يملكن. لذا عليهن ان يتمسكن بالقوانين المتطورة التي تعترف بمكانتهم الإنسانية وقدرتهن على الإنتاج والعمل إسوة بالرجال. أو يسعين لتطوير القوانين المتخلفة التي يخضعون لها للوصول الى مرتبة الشراكة الفعلية في بناء الاسرة وفي استمرار الجنس البشري الحر، المتعلم والمتمسك بالقيم الإنسانية والأخلاقية. هذا ما يوفر الضمانة الفعلية لبقاء الانسان والإنسانية ومواجهة كل التحديات التي تواجه العالم حديثا والتي تسعى الى تدمير الاسرة وتشويه صورتها بالوان منحرفة لا تمت لها بصلة. وعلى علماء الاجتماع ان يكونوا صادقين مع انفسهم ومع قوانين الطبيعة وان يقولوا كلمة الحق عوض هذا التخبط في تعريف الاسرة ومحاولة فصلها عن معنى العائلة المستمرة بالإنجاب والاجيال المتعاقبة. 

 أمّا التجار من النساء والرجال سواء كان العروسان انفسهم او أولياء امورهم يجب عليهم ان يعوا ان لا حماية فوق حماية القانون العادل لكل أبنائه، وأن من يتعب يجب ان يجني سواء كان امرأة او رجل. وسواء كانت المرأة زوجة او ابنة. 

 نقول هذا لأنه والى الآن يوجد بعض قوانين للأحوال الشخصية التي ما زالت لا تورّث الابنة كما الزوجة وكل ميراث الرجل يذهب للأبناء الذكور، حتى لو اعطي الإباء حرية الوصية فانهم وبمليء ارادتهم ما زالوا يطبقون ذلك بسبب الفكر الاجتماعي التقليدي المزروع في عقولهم. لهذا وبكل تأكيد نقول:

 على المرأة ان تستعمل السلاح الصحيح والقادر على حمايتها ونصرتها، ألا وهو سلاح العلم والعمل الذي يمكّنها من تحقيق ذاتها واكتساب الثقة بنفسها والاستغناء عن التجارة او المتاجرة بها. ومن انتاجها وعملها تبني وتستملك سواء كانت عزباء او متزوجة. 

ولتبقى المؤسسة الزوجية صومعة مقدّسة للمرأة والرجل ليعيشا فيها حياتهما الزوجية بصدق ووفاء وينجبا أبناء صالحين لهذه الحياة. 

 وأخيرا يجب ان نقول كلمة الحق وهي، ان الوضع الاقتصادي ركن أساسي في بناء الاسرة ومنه ينسحب الموقع الاجتماعي ورفاهية الحياة. لكن دائما يجب ان نتذكر ان النيّة سبّاقة الاعمال، ونعني انه يجب ان تبنى الاسرة على القناعة والمحبة من قبل الشريكين وان يعملا معا بصدق، وصبر، وضمير، وحكمة واحترام لبناء اسرة سعيدة يغمرها الفرح ويكللها النجاح. 

ولتكن هذه القصة الصغيرة هي الخاتمة التي تلخص روحية ما نقول:

 تزوّج المهاتما غاندي وهو في الثالثة عشرة من العمر من كاستورباي موهانداس ابنة الرابعة عشرة وكانت تفوقه شجاعة خصوصا في الظلمة التي كان يخاف منها.ّ لذلك كان يحتمي بها في الليل، وفي النهار يحاول ان يستعيد رجولته فيقوم بضربها ومعاملتها بقسوة.

 استوعبت كاستورباي موقفه رغم صغر سنها بسبب حبّها له وقناعتها بهذا الزواج، فقررت ان تطمئنه حتى تكون حياتهما سعيدة. وراحت تختبئ فيه ليلا او تسير في ظلّه لتوهمه انه يحميها، وفي الحقيقة كان هو يشعر بحمايتها له لكن دون احراج. وهكذا استمرت حياتهما بنجاح وحب واحترام وتشاركا فيها الحلو والمرّ، وكانت رفيقة دربه بكل نشاطاته السياسية، تسير الى جانبه في التظاهرات التي يقودها وتضرب معه عن الطعام للمطالبة بحقوق شعبه ومستضعفي الشعوب في افريقيا والمكسيك والصين والهند...  وانجبوا الأولاد وبنوا اسرة   ناجحة، اعطت اعظم رئيسة وزراء في العالم التي هي حفيدتها انديرا غاندي. 

ما يجب ان نشير له في هذه القصة القصيرة ان هذا الزواج جمع بين زوجين قاصرين حسب القوانين الحديثة، وكان نتيجة لاختيار الاهل دون موافقة الزوجين. الزوج اكمل دراسته بينما الزوجة كانت تقتبس العلم من زوجها بالمراقبة والاقتداء. امّا الناحية الإيجابية ان الوضع الاقتصادي كان جيد بسبب رعاية الاهل أولا ثم بواسطة عمل الزواج وحسن تدبير الزوجة فيما بعد. امّا النقطة الأهم هو قرار الزوجة وحكمتها بجعل زوجها يشعر باحترامها وثقتها به، مما جعل الزوج يقدّر زوجته ويحترم رأيها ويتعامل مها كشريكة له في الاسرة وفي النضال السياسي فكانت قائدا مساندا لقيادته في ثورة الهند. 

وبالمختصر فإن القرار الاولي كان للزوجة باحترامها، وثقتها ومحبتها لزوجها الذي كان الأساس في احترام ومحبة وثقة زوجها لها، و"هذا ما يؤكد ان النيّة سبّاقة الاعمال"، 

وان الاسرة المبنية على المحبة والثقة والاحترام هي الأساس في بناء اسرة ناجحة تعطي أبناء صالحين محبين للوالدين والوطن. 

المراجع

- كتاب موسوعة تاريخ الزواج – ادوارد  ويستر مارك – ترجمة د. مصباح الصمد، د. صلاح صالح..