ايمان أبو شاهين يوسف - 2-7-2025
بين أوراق الشجر، كانت تختبئ افعى خبيثة. لا يظهر منها غير عيونها التي تتحرّك باستمرار، تحت غشاء شفاف اطبقته لتتظاهر بانها نائمة. وهي بالحقيقة ترى كلّ ما يدور من حولها بسهولة ووضوح. الافعى شديدة التوتر. تحرك رأسها باستمرار، وكأن رائحة او شيء ما يثير اهتمامها.إنها تقوم بتحريك لسانها بكل اتجاه كي تستطيع الشم واستكشاف المحيط.
في الغصن المقابل للأفعى، هناك عصفورة مجتهدة تبني عشّها بكل عناية وفرح. إنها تتحضر لوضع بيوضها، وانجاب فراخها، بكل حماس ومحبة. العصفورة كثيرة الحركة، متعددة الطيران. في كل رحلة تأتي بمادة من مواد البناء التي تحتاجها لإنجاز بيت المستقبل. تارة تأتي بالقش اليابس، وطورا تأتي بالطين، وكثيرا ما تنقل الماء بمنقارها لتليِّن به الطين من اجل إعداد بيت جميل لأطفالها المنتظرين.
العصفورة تجتهد وتعمل، والافعى تضحك في سرّها لان العصفورة المسكينة لا تدري ماذا ينتظرها وينتظر فراخها. فهي تراقبها عن كثب، وتتابعها لحظة بلحظة بكل دقة واهتمام. كما انها لا تدع أي شاردة او واردة تمر دون ان تلحظها لتفهم الهدف والغاية منه. العصفورة لم تشعر ابدا بوجود الافعى، ولا تعرف شيئا عن ذلك. فالأفعى تتقن فن التمويه والخداع والعصفورة كثيرة الانشغال ولا تهتم الا بشؤون بيتها واطفالها. في يوم دافئ لاحظت الافعى توتر العصفورة وارتباكها في العمل، فأيقنت بانها على وشك وضع بيوضها. لهذا، صامت عن الطعام استعدادا لالتهام وجبتها المفضلة من بيض العصافير، واستمرَّت بالمراقبة حتى يحين الموعد. العصفورة ذكية، شديدة الحذر، تعلم جيدا انها ليست الوحيدة في هذا الغابة. وانها تتشارك الحياة مع من هو صديق ومحب، و مع من هو عدوٌّ وخبيث. ودائما تردد في نفسها: "هذه هي سنة الحياة، وعلينا ان نتقبلها ونتحكم بها بعقلنا ووعينا، حتى نحمي انفسنا من ظلم ووحشية الشرّ والأشرار . بنت العصفورة عشّها وبيت اطفالها بكل دقة وعناية، وجعلت اقسامه الداخلية مريحة وآمنة. كما جعلته من الخارج لوحة فنية بشكل بيضاوي، ناعم الملمس، مخفي المداخل، ترابي اللون. الداخل مقسّم الى جيبين: جيب مخصص لوضع البيض ونمو الفراخ، وآخر فارغ جعلته مصيدة للأعداء. اما مدخل العش فقد وضعت فيه كل فنها ومهارتها ، وقسمته الى قسمين: قسم، بمثابة مدخل الى جيب البيض. مستطيل رقيق، اشبه بالصمام الذي يقفل مباشرة بعد الدخول او الخروج منه. وقسم بمثابة مدخل الى الجيب الفارغ ، وهو واسع، دائري، مفتوح باستمرار.
بعد أن انتهت العصفورة من بناء العش، دخلت الجيب المخصص للفراخ. بعد لحظات من الجهد والعناء وضعت بيوضها والفرحة تغمر قلبها. ثمَّ، خرجت تجمع ما يكفيها من مؤونة للفترة التي ستحتضن فيها هذه البيوض حتى تنقف، وتخرج منها الفراخ. فرحت الافعى بمغادرة العصفورة للعش. وهي التي تراقب باستمرار، بانتظار هذه اللحظة السعيدة التي اعدت لها نفسها، بعد ان صامت قبل عدة أيام، استعدادا لالتهام وجبتها المفضلة من البيض الذي تحبه كثيرا. رفعت الأفعى رأسها، وحركت ذيلها، استعراضا لتخويف الأعداء. ثم، زحفت باتجاه العش بكل ثقة ونشوة. وصلت اليه ونظرت من حولها نظرة القوي المنتصر الذي صبر وكسب. ادخلت رأسها في العش من الفتحة الوهمية الواسعة التي بنتها العصفورة لإيهام الأعداء والأشرار والايقاع بهم. فتحت فمها على وسعه لالتقاط البيض والتهامه بعد طول صيام. لكن هذه الغبية كانت صدمتها عنيفة. فهي لم تجد أي اثر للبيض. حاولت جاهدة مراراً وتكراراً ان تبحث عن أي شيء تلتهمه فلم تجد الا الفراغ.
خرجت الافعى من العش ناقمة، غاضبة، تصدر فحيحا يسمع في كل المحيط. من بعيد رأتها العصفورة، الذكية، التي راحت تضحك من سرِّها وهي تقول:" الحكمة هي خلاصة عقل يتأمل في هذا الكون، وقلب يتألم من وحشية الأشرار. فالعقل ينذرنا بما ينبغي تجنبه، والقلب يقول لنا ما ينبغي فعله. وصاحب العقل السليم هو من يتعلم من تجارب هذه الحياة. "ثم أكملت تقول: " الحمدلله اني تعلمت الدرس واتخذت الحيطة والحذر، فحميت نفسي وفراخي". امّا الافعى الغبية التي لا ذاكرة لها، فقد بقيت على غبائها ولم تنفعها قوتها ووحشيتها، امام قوة وتبصر العقل.