همسة مزهر
تحدى السوريون منذ انطلاق الأزمة في عام 2011 كافة الظروف والتحديات بطريقة غير مسبوقة، بما في ذلك التشرد وفقدان الممتلكات، إلا أن هذا الوضع لم يشكل عائقًا بالفعل أمام إبداعات السوريين، وغير ذلك فقد تحول إلى حافز قوي مشجِّع لتطوير وابتكار أفكار خلاقة تثبت جدارتها في عالم التنافس.
الفنون والثقافة:
أظهر الفنانون السوريون خلال فترة الأزمات قدرتهم على التعبير الإبداعي، مؤكدين أنه بالإمكان إشاعة حضور الابتكار على الرغم من التشوه والعقبات، فأطل جيلٌ ناشئٌ من الفنانين والمبدعين الذين برعوا في تجسيد روحِهُم عبر فنَّهُم ، و شهدت السينما والمسرح في سوريا تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، حيث استثمر المخرجون أفلامهم لإبراز جوانب الحياة مثل "يوم أضعت ظلي" و"فوضى" وهذه الأعمال وغيرها مكنت السينما والمسرح من حصد إشادات دولية وإظهار قصص حقيقية مستمدة من الحياة في سوريا وقدرة العديد من المسرحيين السوريين على تجديد شكل لوحة المسرح بتقديم فصول مستوحاة من قصص وطبائع وأشخاص سورية.
أما المسرحيون اللاجئون في أوروبا فقد قاموا بتأسيس فرق مسرحية جديدة تهدف لإشاعة الثقافة السورية وتعزيز التفاعل الفني العالمي.
ولم يكن الفنانون التشكيليون السوريون بعيدين عن هذا المدى في التعبير الإبداعي، حيث استثمروا فرصة تقديم رسالتهم ، وتأثيرات لوحات يوسف عبدلكي مثال رائع على استخدام الفن للتعبير عن الألم والأمل، حيث تظهر أعماله المُتجانسة بصورة قوية معاناة الانسان.
ريادة الأعمال والابتكار:
بالرغم من الصعوبات الاقتصادية الكبيرة، فقد نجح المستثمرون وأصحاب المشاريع في سوريا في إطلاق شركات ناشئة وإقامة مشاريع صغيرة في الأعوام الأخيرة، وظهرت عدة شركات سورية ناشئة وحققت إنجازات كبرى في مجالات التكنولوجيا والتعليم والطاقة المتجددة مثل إكسباند كارت: حيث تأسست كشركة سورية للتجارة الإلكترونية بهدف تيسير عمليات التبادل التجاري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكريم وهو تطبيق حجز السيارات المعروف من قبل الرائد السوري عبد الله إلياس، والآن هو جزء لا يتجزأ من شركة أوبر ذات التواجد العالمي.
ابتكارات في الزراعة والصناعة:
بسبب الأزمة انخفضت الموارد مما دفع باللاجئين السوريين للإبداع في استغلال الموارد المحدودة في مجال الزراعة، حيث تم اكتشاف طرق جديدة للزراعة عموديًا واستخدام الطاقة الشمسية؛ وحقَّق هذا استثنائية في زيادة الإنتاج و تمكن السوريون في مجال الصناعة من تحقيق تطورات جديدة بإعادة التدوير واستغلال الموارد المتاحة داخل البلاد لابتكار منتجات جديدة.
الأدب والكتابة:
واصل الأدب السوري التطور، حيث عبر المؤلفون في كُتبهم وشِعرهم ومقالاتهم عن تجاربهم وصراعاتهم. وكتب سهير العليوي ونور الشعلان مثال بارز لاستخدام الأدب في التعبير عن أحوال الإنسان السوري.
الموسيقى صوت الأمل
أثبت الموسيقيون السوريون أن الموسيقى هي وسيلة قوية للتعبير عن الروح الإنسانية، حازمة دائمًا و تتخطى اللغات ، حيث قدّموا أعمالًا استثنائية في تصنيفات موسيقية متنوعة، بدءا من الموسيقى التقليدية إلى الجاز، وكان نجاحهم في فريق "كايرو ستيبس"، الذي يضم موسيقيين من سورية ومصر وألمانيا، هو تجسيد للإبداع السوري المتخطي حدود الثقافات والجغرافيا.
التكنولوجيا والعلوم:
أدى الصراع في سوريا إلى هجرة كثير من العلماء والمهندسين للخارج، حيث أسهموا بشكل مهم في تقدُّم التكنولوجيا والعلوم ومن بين الأمثلة، يُذكر أيضًا المهندسة رنا دريعي التي قامت بالعمل على تطوير مشاريع للاستفادة من الطاقة الشمسية في ألمانيا بشكل مستدام.
وعلى الرغم من مواجهة التحديات الهائلة، يثبت الشعب السوري أن قدرته على الابتكار والإبداع ليست مقصورة على ظروفٍ محدَّدة، في يومنا هذا، ويقدم السوريون إسهامات متميزة في شتى المجالات بدءا من الفن وصولًا إلى التكنولوجيا، وذلك يعبر عن انبثاق الابداع والتميز من أعماق الأزمات فهي المحفز للتميز وليست عقبة أمام السوريين.