" الدين للّه والوطن للجميع" – سلطان باشا الأطرش
الموحدون الدروز شجرة تضرب جذورها في أعماق التاريخ العربي، تمتد من جبال اليمن السعيد إلى ذرى بلاد الشام الغناء، وتورق في كل أرض مرّت عليها راية العروبة. إنهم أبناء القبائل العربية الأصيلة التي انطلقت من الجنوب العربي، من بني قضاعة وبني لخم والمناذرة وبني عذرة...، الذين حملوا صفاء اللغة والمرؤة، وتركوا بصماتهم في صفحات الحضارة والبطولة.
منذ فجر الإسلام شارك أسلاف الموحدين الدروز في الفتوحات العربية الكبرى، وساروا مع الجيوش التي حملت رسالة التوحيد الى أقاصي الأرض...حتى امتلأت كتب التاريخ والمراجع بسرد مواقفهم المشرّفة وبطولاتهم العظيمة بدءا من كتب ابن العسير وابن الأثير والطبري وصولا الى كتب الأمير شكيب أرسلان، والمعلِّم كمال جنبلاط، والمناضل العربي علي ناصر الدين، والمؤرخ نجيب العسراوي وغيرهم الكثير.
عندما عصفت بالمشرق العربي رياح الحملات الصليبية ، كان التنوخيون وحلفاؤهم اول المرابطين على الثغور، وقاتلوا بشجاعة وبسالة دفاعاً عن الكرامة وذودا عن كل أرض عربية. في معركة صيدا وقلعة الشقيف وحصن أركاديا وقلعة بانياس، خاض فرسانهم غمار القتال، وحققوا الإنتصارات الى جانب أمراء الشام، فحُفِرَت أسماؤهم على صخور الجبال وذاكرة التاريخ.
من أبرز هؤلاء القادة: أبو سعيد التنوخي، الذي تصدى للغزاة في لبنان وسوريا، وبهاء الدين قراقوش التنوخي، الذي قاتل الى جانب صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين عام 1187م واستعادوا القدس من الإفرنجة، وسعد الدين التنوخي الذي قاد وحداته في حماية الممرات الجبلية والقلاع. وعند قيام دولة المماليك، واصل الدروز دفاعهم عن الشام، فشارك آل علم الدين وآل مرشد في صد التتار وحماية السواحل والمرافئ، وكانت مساهمتهم بارزة في معركة عين جالوت، حيث تمَّ إحباط غزو التتار للأرض العربية.
ثم توالت العصور وبقيت الروح العربية مشتعلة في صدور الموحدين، حتى بزغ نجم سلطان باشا الأطرش، فارس العروبة ومجاهد الاستقلال، الذي آمن بالأمة الواحدة ورفع اول علم عربي فوق مضافته في السويداء، ثمّ على باب السرايا في دمشق قبل وصول الأمير فيصل ابن الحسين عام 1918. ومن بعده جاء كمال جنبلاط، المفكر والزعيم اللبناني الذي تبنى القضية الفلسطينية وجعلها رمزاً لللنضال العربي، مؤمناً بأن الحرية لا تتجزأ، وأن مقاومة الظلم أينما كان هو واجب إنساني وروحي. وفي ميادين الفكر والتعليم كان عارف النكدي مثالاً للموحد الذي جمع بين الإلتزام بالهوية العربية وحب اللغة العربية، محافظا على إرث الثقافة والبحث العلمي، مؤسسا المدارس والمعاهد، ناشطا في المجمع العلمي العربي، ومرشداً لأجيال الموحدين نحو المعرفة والإنتماء العربي.
ودفاعا عن الأرض والكرامة وقف الأمير مجيد أرسلان على حدود المالكية سنة 1948م يقود المعركة بنفسه وهو وزير الدفاع اللبناني، ليؤكد أن العروبة ليست شعاراً يُرْفَع، بل موقف يُعاش في ميادين القتال والكرامة.
وفي فيافي الأرض المنكوبة التي تئن تحت ألم وحزن الناس، كان الولي العارف الشيخ أبو محمود أحمد أبو شاهين يداوي الجراح بالكلمة الطيبة ويصلي القتلى من كل الطوائف الذين فتك بهم إبراهيم باشا في حملته على بلاد الشام والتي استمرت من العام 1831 حتى العام 1840، وهو يردد في صلاته: "ما فرِّقته الأرض فلتجمعه السماء." وهكذا ظلّ الدروز على العهد، رجال فكرٍ وسيفٍ، ومحبة وإيمان، يسكنون القمم ويحملون همَّ الأمة العربية في قلوبهم. من جبال حوران الى جبل لبنان، ومن فلسطين الى الجولان.
إنهم لم يكونوا يوماً طائفة على هامش التاريخ، بل شجرة راسخة في قلب العروبة، تثْمِر وفاء وشجاعة وحكمة، وتذكرنا أن الهوية الحقيقية لا تكتب بالحبر، بل تسقى بالدم والتضحية والإيمان.