النَّمَطِيَّةُ، 🍂

الكاتب عماد الاعور


النَّمَطِيَّةُ، فِي ظَاهِرِهَا، سَكِينَةٌ تُشْبِهُ الْأَمَانَ،وَفِي بَاطِنِهَا، لِمَنْ لَا يَسْتَبْصِرُ، سِتَارٌ رَقِيقٌ يَحْجُبُ الْحَقَّ،وَيَفْصِلُ الْقَلْبَ عَنْ نُورِ التَّجَلِّي.
إِنَّهَا تَشْبَهُ الشَّرِيعَةَ، حِينَ تُؤْخَذُ كَصُورَةٍ دُونَ سُبْحَةِ الْمَعْنَى،يَظُنُّ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ بِتَكْرَارِ الْفِعْلِ، وَتَنْمِيقِ الْقَوْلِ، قَدْ بَلَغَ،وَيَنْسَى أَنَّ الْوُصُولَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْخَيْرِ، وَبِالْعَدْلِ، وَبِالنِّيَّةِ الْخَالِصَةِ،الَّتِي تَرْفَعُ الْعَمَلَ مِنْ تُرَابِ الْعَادَةِ إِلَى نُورِ الْقُرْبِ.
النَّمَطِيَّةُ لَيْسَتْ شَرًّا فِي ذَاتِهَا، وَلَكِنَّهَا تَصِيرُ سِتَارًا إِذَا انْقَطَعَتْ عَنِ الْمَعْنَى،وَإِذَا لَمْ تَكُنْ فِي خِدْمَةِ الْحَقِّ، وَفِي سَبِيلِ الْخَيْرِ، وَمَجْرَى الْعَطَاءِ.هِيَ رَاحَةٌ تُشْبِهُ السَّكِينَةَ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكُونُ رَاحَةً وَهْمِيَّةً، تُنَجِّي الْجَسَدَ وَتُعَطِّلُ الرُّوحَ،تُرَتِّبُ الظَّاهِرَ، وَتَحْجُبُ الْبَاطِنَ،تُكَرِّرُ الْفِعْلَ، وَلَا تُضِيءُ بِهِ سَبِيلًا لِأَحَدٍ.
كُلُّ حِجَابٍ يُبْعِدُ، وَكُلُّ وَسِيطٍ يُقَسِّمُ،وَالْحَقُّ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ، فَهُوَ الْوَاحِدُ الَّذِي لَا عَدَدَ مَعَهُ،وَكُلُّ نَفْسٍ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، فَلَا فَضْلَ لِشَكْلٍ، وَلَا لِسِمَةٍ، وَلَا لِمَنْهَجٍ،إِلَّا بِقَدْرِ مَا يُضِيءُ فِيهَا مِنْ نُورِ الْحَقِّ، وَحَضُورِ النِّيَّةِ فِي سُبُلِ الْعَطَاءِ.وَالشَّرِيعَةُ، إِذَا قُطِعَتْ عَنِ الْخَيْرِ، تُصْبِحُ طَقْسًا، لَا طَرِيقًا،وَإِنْ تُرِكَتِ النِّيَّةُ فِيهَا، صَارَتْ حِرْفَةً بِلَا رُوح،يَظُنُّ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ قَدْ وَفَّى مَا عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا بَدَأَ.
فَلَيْسَ السُّلوكُ حِرْصًا عَلَى الشَّكْلِ، بَلْ هُوَ حِرْصٌ عَلَى الْحَقِّ،وَلَيْسَ الْقُرْبُ فِي صُوَرِ الْعِبَادَةِ فَقَطْ،بَلْ فِي صِدْقِ الْخَيْرِ، وَسَخَاءِ الْعَطَاءِ، وَعَدْلِ النَّفْسِ فِي نَفْسِهَا وَمَعَ النَّاسِ.
النَّمَطِيَّةُ، إِذَا لَمْ تَكُنْ فِي خِدْمَةِ التَّجَلِّي، صَارَتْ هَرَبًا مِنَ الْوَاجِبِ الْأَسْمَى،تُسَكِّنُ الْخَوْفَ، وَلَا تُقِيمُ الْعَدْلَ،تَحْفَظُ الْمَعْهُودَ، وَلَا تَشْهَدُ الْجَدِيدَ،تُرَتِّلُ الْكَلِمَاتِ، وَلَا تَحْمِلُهَا إِلَى سُوقِ الْأَعْمَالِ.
فِي مِيزَانِ الإحْسّانِ: لَا أَعْلَى وَلَا أَدْنَى،إِلَّا بِقَدْرِ مَا تَحْمِلُهُ الرُّوحُ مِنْ نُورِ الْقَصْدِ، وَنَفَسِ الْعَدْلِ، وَحُبِّ الْخَلْقِ.
فَمَا الْعُبُودِيَّةُ الحُرَّةُ إِلَّا صِدْقُ الْمَسِيرِ نَحْوَ الْحَقِّ،وَمَا الشَّرِيعَةُ إِلَّا خَارِطَةٌ، مَا لَمْ تَكُنْ الْبَوْصَلَةُ نُورَ النِّيَّةِ وَالْخَيْرِ وَالْعَطَاءِ.
وَهُنَا، يُصْبِحُ الْمُتَعَوِّدُ فِي النَّمَطِ كَمَنْ تَعَلَّقَ بِالشَّرِيعَةِ خَارِجَ الرُّوحِ،ظَانًّا أَنَّهُ قَدْ وَفَّى، فِي حِينٍ أَنَّهُ لَمْ يَبْدَأْ.لِأَنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ الظَّاهِرِ، هُوَ الْبِدَايَةُ الْمُنْقَطِعَةُ،وَالسَّيْرُ فِي التَّجَلِّي، هُوَ الْبِدَايَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِاللَّا نِهَايَةِ.
وَالنَّمَطِيَّةُ، إِذَا لَمْ تُقَدَّسِ الحَقِّ، تَصِيرُ شِرْكًا خَفِيًّا،تُقَدِّمُ الشَّكْلَ عَلَى الْمَعْنَى، وَالْعَادَةَ عَلَى الْقَصْدِ،تُكَرِّسُ الْمَعْرُوفَ، وَتَخْشَى الْمَجْهُولَ،وَتَنْسَى أَنَّ النُّورَ كَانَ فِي الْبِدَايَةِ، وَمَا زَالَ فِي كُلِّ شُرُوقٍ.
فَإِذَا أَرَدْتَ الْوُقُوفَ عَلَى طَرِيقِ النُّورِ، فَكُنْ فِي كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا لِلْخَيْرِ،وَفِي كُلِّ قَوْلٍ دَعْوَةً لِلْحَقِّ،وَفِي كُلِّ فِعْلٍ نَصِيبًا لِلْعَطَاءِ،فَهَذِهِ هِيَ الشَّرِيعَةُ الْحَقَّةُ، الَّتِي لَا تُقَيِّدُ، بَلْ تُحَرِّر،وَهَذِهِ هِيَ النَّمَطِيَّةُ الْمُقَدَّسَةُ، إِذَا صَارَتْ مَسَارًا فِي سَبِيلِ النُّورِ.
وَمَا العِرْفَانُ إِلَّا نَفْيُ كُلِّ مَا يُشْبِهُ الْإِلَهَ وَلَيْسَ بِإِلَهٍ،وَمَا الْعَدْلُ الْإِلَهِيُّ إِلَّا فِي أَنْ نَعْلَمَ أَنَّا جَمِيعًا سَوَاسِيَةٌ،لَا يَرْفَعُنَا لِبَاسٌ، وَلَا يَقْرِّبُنَا اسْمٌ،وَإِنَّمَا يَرْفَعُ الْإِنْسَانَ مَا فِيهِ مِنْ نُورِ النِّيَّةِ، وَصِدْقِ الْقَصْدِ، وَعَدْلِ الْفِعْلِ.
فَإِيَّاكَ وَالنَّمَطَ إِذَا صَارَ حِجَابًا،وَكُنْ حَيًّا فِي النَّفْسِ، مُتَجَدِّدًا بِالنُّورِ،فَإِنَّ الْوَاحِدَ الْأَحَدَ، لَا يُطْلَبُ بِتَقْلِيدٍ، وَلَا يُدْرَكُ بِالثَّبَاتِ فِي الْجُمُودِ،بَلْ يُدْرَكُ بِالْحَرَكَةِ نَحْوَ الْعَدْلِ، نَحْوَ الرَّحْمَةِ، نَحْوَ مَا يَجْمَعُ الْقُلُوبَ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ،فَهُنَاكَ، فِي حَقِّ الْوِجْهَةِ، تَكُونُ مَعِيَّتُهُ،وَتَكُونُ أَنْتَ عَلَى طَرِيقِ النُّورِ، بِلَا حِجَابٍ، وَلَا شِرْكٍ، وَلَا نَمَطٍ مُقَيِّدٍ.