الوردة المتمردة

الكاتبة والباحثة الاستاذة

 إيمان أبو شاهين يوسف

مرجانة امرأة حكيمة طيبة، تهوى الزراعة والعمل في الأرض. 

مع بداية كلّ ربيع تخرج الى حديقتها، تنظفها من بقايا الأعشاب اليابسة والأغصان المتكسرة، تقلِّب تربتها، تضع الأسمدة ثم تحرثها وتثلمها قبل أن  تغرس فيها الشتول الجديدة. 

هذه السنة وبسبب التغيُّر المناخي الناتج عن سوء إدارة البشر لهذه الأرض،  وإرتفاع نسبة الكربون في الغلاف الجوي، الصادر عن دخان المصانع ووسائل النقل وسموم أسلحة الحروب ودمارها، فإن الطقس يشهد إرتفاعا شديداً في الحرارة يهدد الغلاف النباتي وحياة الانسان والحيوان على هذه الأرض. 

مرجانة الإمرأة الحكيمة قررت النهوض باكراً قبل شروق الشمس، لتبدأ العمل في الأرض  قبل القيظ  وإشتداد الحرّ...ثم تدخل بيتها في الظهيرة، و قبل مغيب الشمس بقليل، تعاود العمل في الأرض حيث تكون الحرارة قد إنخفضت قليلاً. 

كما قررت بأن تروي الزرع باكراً حتى تتشبع الجذور بالمياه  قبل أن تشتد حرارة الشمس في الهواء وتبخر المياه من التربة فتصاب النباتات بالعطش ثم اليباس . أما النباتات الندية فقد قررت أن تغطيها بقماش رطب يحميها من أشعة الشمس ويحافظ على الرطوبة فيها. 

أثناء العمل لاحظت مرجانة بأن الوردة الصفراء على مدخل باب بيتها بدأت بعض أوراقها تجفُّ وتفقد نضارتها، بسبب لهيب الحرارة وجفاف الهواء. فجاءت بسياج من القش اليابس ووضعته أمام الوردة الصفراء ليحجب عنها حرارة الشمس.كما سكبت عليه الماء حتى يتصاعد منه البخار فيرطب وريقات الوردة فتنتعش وتستعيد عافيتها وتبعد عنها خطر الموت واليباس. 

في اليوم التالي قامت مرجانة من نومها قبل موعدها بكثير وخرجت مباشرة الى الحديقة تتفقد مزروعاتها، وصلت أولاً الى الوردة الصفراء، رفعت السياج قليلآً وبللته بالماء حتى تصمد الوردة بمواجهة حرارة الشمس الشديدة،وتابعت أعمالها حتى شروق الشمس. 

عند شروق الشمس دخلت مرجانة  بيتها لكي تستريح.وأيضاً لكي تنجز بعض الواجبات المنزلية بانتظار المغيب. 

عند المغيب خرجت مرجانة لمتابعة عملها في الحديقة، مرّت على الوردة الصفراء لتتفقدها، فوجدتها قد نزعت من أمامها السياج ورمته أرضاً، فيبست وريقاتها وتساقطت من حول الكأس، وبدت كهيكل عظمي يقف منتصبا أمام مدخل البيت. شهقت مرجانة متأثرة ولفها الحزن على خسارة هذه الوردة الجميلة وسألتها بتعجب: لماذا نزعت من أمامك السياج ؟ّ 

أجابت الوردة: لأنه لم يُخلَق من يقف أمامي.فأنا دائما في المقدمة. وأنا دائماً الأجمل. 

قالت مرجانة: لكني لم  أضع السياج أمامك ليكون أولاً، بل لأجل ان يحميك من قساوة الطقس وشدة الحرِّ. 

أجابت الوردة: لا أهتم لهذا التبرير. وكل ما يهمني هو أن أتباهى بجمالي. 

قالت مرجانة: لكنك الآن ايتها العزيزة  قد فقدت جمالك كما فقدت حياتك. كان عليك أن تكوني أكثر ذكاءً وتتعاوني مع السياج عوض تحطيمه. وما حلّ بك ليس إلاّ نتيجة لعدم  تأقلمك مع الواقع، فخسرت جمالك وكل حياتك. 

أجابت الوردة: ماذا تقولين؟ التأقلم؟ ما هذه الكذبة التي تتلاعبون بها في عقول الضعفاء؟ ألا تعلمين أيتها المرأة المسكينة ان التأقلم هو بداية للخضوع، والتنازل؟ 

قالت مرجانة : ومن قال لك بأن التنازل والإنكفاء ليسا بإستراتيجية للحفاظ على البقاء من أجل قيامة جديدة.!!! 

أجابت الوردة: وماذا عني الآن؟؟؟ 

قالت مرجانة: لقد أخترتِ التمرد في واقع لا وجود فيه  لخيار ثالث، " الموت أو البقاء" ، فكان نصيبك الموت ونصيبي أن أتقبل العزاء. 

نزعت مرجانة الوردة من جذورها وطمرتها في التراب وهي تقول:  نامي هنيئاً ايتها "الوردة المتمردة".

@جميع الحقوق محفوظة