جَسَدٌ 🍂

 الكاتب  الاستاذ

 عماد أ. الأعور 

يا جَسَدِي،

يا مَنِ استعارتْكَ النَّفْسُ لِتَظهَرَ،

وخَلَعَ عَلَيْكَ النُّورُ كِسَاءَ الكَثَافَةِ،

أَأَنْتَ وِعَاءُ الرُّوحِ، أَمْ عَائِقُهَا؟

أَأَنْتَ مَمَرٌّ، أَمْ حِجَابٌ؟

أَأَنْتَ تَجْرِبَةُ السَّيْرِ، أَمْ غَفْلَةُ الطَّرِيقِ؟

كُلَّمَا نَظَرْتُ فِيكَ،رَأَيْتُنِي،

لَكِنْ لا كَمَا أَنَا،

بَلْ كَمَا صِرْتُ حِينَ نَسِيتُ مَا كُنْتُ.
يَا جَسَدِي،

فَتَحْتَ عَيْنَيْكَ عَلَى النُّورِ،

وَلَمْ تَرَهُ،ظَنَنْتَ أَنَّ مَا أَبْصَرْتَهُ عَيْنٌ،

وَأَنَّ مَا لَمَسْتَهُ حَقِيقَةٌ،

لَكِنَّ النُّورَ لا يُرَى بِالعَيْنِ،

بَلْ بِالوَعْيِ الَّذِي يُضِيءُ العَيْنَ.
إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ بِكَ؟

وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ بِي؟

أَأَنَا الرَّاكِبُ وَأَنْتَ الوِعَاءُ؟

أَمْ أَنْتَ الفَارِسُ وَأَنَا الغَفْلَةُ؟

كِلَانَا يَمْشِي،

لَكِنْ أَيُّنَا يَسِيرُ نَحْوَ الأَصْلِ؟

وَأَيُّنَا يَعُودُ إِلَى البَيْتِ الأَوَّلِ؟
أَأَنْتَ السَّفِينَةُ أَمِ البَحْرُ؟

أَمْ كِلَانَا خَشَبَةٌ فِي يَمٍّ مِنَ الغَيْبِ؟

وَكُلُّ مَا حَسِبْنَاهُ ثَبَاتًا،

لَيْسَ إِلَّا ارْتِعَاشَ المَعْنَى فِي حَضْرَةِ الصُّورَةِ.
تَقُولُ: الجَوَارِحُ لَكَ

،وَأَقُولُ: الإِرَادَةُ لِي،

وَتَتَصَارَعُ الأَصْوَاتُ فِي دَاخِلِي،

فَمَنْ الَّذِي يُحَاسَبُ؟

أَالْفَاعِلُ فِي الظَّاهِرِ؟

أَمِ النِّيَّةُ فِي اللَّطِيفِ؟

أَمْ كُلُّ ذَاكَ وَهْمٌ،

وَالْحَقُّ لا يُحَاسِبُ، 

بَلْ يَكْشِفُ،يَكْشِفُ مَا كُنَّا،

وَمَا ظَنَنَّا أَنَّنَا لَسْنَا.
يَا جَسَدِي،

إِنْ كُنْتَ قُوَّةَ الظُّهُورِ،

فَأَيْنَ يَذْهَبُ الظُّهُورُ حِينَ تَغِيبُ؟

أَأَنْتَ بَاقٍ فِي الذَّاكِرَةِ؟

أَمْ تَتَلَاشَى كَمَا تَتَلَاشَى الأَصْوَاتُ فِي الصَّمْتِ؟

إِذَا كُنْتَ مِنْ تُرَابٍ،

فَلِمَاذَا يَشْتَاقُ القَلْبُ إِلَى السَّمَاءِ؟

وَإِنْ كُنْتَ مِنْ تُرَابٍ،

فَكَيْفَ يَشْهَدُ فِيكَ النُّورُ نَفْسَهُ؟
لا،لَسْتَ مِنْ تُرَابٍ،

بَلْ أَنْتَ تَجَلٍّ مِنْ طَاقَةٍ عُلْوِيَّةٍ،

انْخَفَضَتْ فِي التَّرَدُّدِ،

فَاعْتَمَّتْ،

ثُمَّ تَكَثَّفَتْ،

ثُمَّ اتَّخَذَتْ لَكَ اسْمًا وَشَكْلًا،

فَصَدَّقْنَا أَنَّكَ “جَسَدٌ”،

وَنَسِينَا أَنَّكَ “أَمَانَةٌ”.
جَسَدِي،

مَتَاعُكَ زَائِلٌ،

لَكِنَّكَ مَوْضِعُ السِّيرَةِ،

كُلُّ مَا يُرَى يُكْتَبُ،

وَكُلُّ مَا يُنْسَى يُشْهَدُ،

وَأَنَا، حِينَ أُدْفَنُ بِكَ،

بِأَقْوَالِي وَأَعْمَالِي،

لَنْ أُسَافِرَ مَعَكَ،

بَلْ أَعُودُ إِلَى اللُّبِّ،

إِلَى الجَوْهَرِ،

إِلَى الثِّقْلِ الَّذِي لا يُرَى.
سَأَدْخُلُ الحَيِّزَ،

حَيِّزَ اللَّطَافَةِ،

وَسَيَنْظُرُ النُّورُ فِي وَجْهِي،

وَيَسْأَلُنِي:كَمْ بَقِيَ مِنْكَ أَنْتَ؟

وَكَمْ رَجَعْتَ إِلَيَّ أَنْتَ؟
جَسَدِي،

يَا فَصْلًا مِنْ فُصُولِ الأَكْوَانِ،

لَكَ بَدَايَةٌ وَزَمَنٌ،وَنِهَايَةٌ وَبِلًى،

وَبَيْنَ البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ سِرٌّ،إِذَا وُعِيَ، 

تَجَلَّى الوُجُودُ بِمَعْنَاهُ.
هَنِيئًا لَكَ،

مَسِيرُكَ لَيْسَ مَجْهُولًا،

فَأَنْتَ مَفْرُوزٌ عَلَى مَدَارِ النُّورِ،

تَدُورُ كَمَا الأَفْلَاكُ،

وَكُلَّمَا سَكَنْتَ، 

بَدَأَ فِيكَ فَصْلٌ آخَرُ.
يَا جَسَدِي،

مَا أَنْتَ إِلَّا قَوْسُ ظُهُورٍ طَيْفِيٍّ،

تُتِيحُ لِلْمَعْنَى أَنْ يُخْتَبَرَ،

وَلِلرُّوحِ أَنْ تُؤَثِّرَ،

وَلِلْوَعْيِ أَنْ يَصْحُوَ.
فَلَا تُخِيفَنِّي، 

وَلَا تُغْرِنِي،

وَلَا تَنْسِبْ إِلَيَّ مَا لَيْسَ لِي،

وَلَا تَدَّعِ مَا لَيْسَ لَكَ،

فَأَنْتَ فِي خِدْمَتِي،

وَأَنَا فِي خِدْمَةِ الأَصْلِ،

وَكِلَانَا فِي حَضْرَةٍ لا يَفْنَى فِيهَا إِلَّا الوَهْمُ.

@جميع الحقوق محفوظة