الكاتب عماد أ. الاعور
نَبْدَأُ الحَيَاةَ حَبْوًا، لَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ جِئْنَا، وَلَا إِلَى أَيْنَ نَمْضِي،
نُمسِكُ بِأَصَابِعِنَا الطَّرِيَّةِ أُولَى الخُطَى،
ثُمَّ نَمْشِي…
خُطْوَةً تَتْبَعُ خُطْوَة، كَأَنَّنَا نَعْرِفُ الطَّرِيقَ،
أَوْ نُقْنِعُ أَنْفُسَنَا أَنَّهُ “هُنَاكَ”،
نَمْضِي إِلَى حُلْمٍ، بِأَنَّنَا سَنَكْبُرُ،
وَنَمْشِي، وَنَذْهَبُ،إِلَى كُلِّ مَكَانٍ…
بَلْ إِلَى كُلِّ مَا يُشْبِهُ المَكَانَ فِي أَذْهَانِنَا،
المَرْسُومَةِ بِالآمَالِ.
تَبْدَأُ الطَّرِيقُ مُعَبَّدَةً…
لَا بِالحَقِيقَةِ،
بَلْ بِمَا قِيلَ لَنَا إِنَّهُ الحَقُّ،
مَرْصُوفَةً بِأَوْهَامٍ نَسَجُوهَا لَنَا عَلَى هَيْئَةِ أَحْلَام،
قِيلَ: فِيهَا السَّعَادَةُ، وَإِلَيْهَا المَآلُ.
ثُمَّ نَصِلُ إِلَى شَاطِئِ الشَّبَابِ،
فَتَبْدَأُ رِيحُ التَّحَدِّي، وَيَعْلُو مَوْجُ التَّخْيِيلِ،
نَسْعَى لِصِنَاعَةِ أَمْجَادٍ،
لَا نَدْرِي مَن صَوَّرَهَا لَنَا،
نَلْهَثُ خَلْفَ “نَجَاحَاتٍ” بُنِيَتْ عَلَى مَقَايِيسَ غَيْرِنَا،
نُحَاوِلُ أَنْ نَرْسُمَ لَوْحَاتٍ لِلْحُبِّ، وَالعَائِلَةِ، وَالبَيْتِ، وَالمُسْتَقْبَلِ…
نُرِيدُ البَقَاء… وَبِكُلِّ ثَمَن.
وَلَكِن…
أَهُوَ الوَاقِعُ؟أَمْ أَطْيَافٌ كَثِيفَةٌ،
تَكَسَّرَتْ عَلَى مِرْآةِ اللَّطِيفِ،
فَحَسِبْنَاهَا ذَاتًا وَنَحْنُ مِنْهَا سَرَاب؟
مَلَايِينَ الأَشْخَاصِ مَرُّوا، وَعَبَرُوا، وَانْتَهَوْا…
ثُمَّ نُسُوا،كَأَنَّهُمْ مَا كَانُوا…
فَمَا هُوَ الوَاقِعُ إِذَنْ؟
أَيُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ وَهْمًا؟
أَنْ لَا دِرَايَةَ لَنَا بِالبِدَايَةِ،
وَلَا سُلْطَةَ لَنَا عَلَى النِّهَايَة؟
كَيْفَ يَكُونُ لِلْكَائِنِ وُجُودٌ،
إِذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ مَبْدَأَهُ، وَلَا خَاتِمَتَهُ؟أَنَحْنُ جِسْرٌ؟
وَلَكِن…
جِسْرٌ لِمَاذَا؟وَعُبُورٌ إِلَى مَاذَا؟وَلِأَيِّ غَايَة؟
هُنَا مَبَادِئُ…
وَهُنَاكَ لَا شَيْءَ مِنْهَا.
كُلُّ شَعْبٍ يَقِيسُ الأُمُورَ بِمَقَايِيسِهِ،
كُلُّ أُمَّةٍ تَرْفَعُ قِيَمًا، وَتُنْكِرُ مِثْلَهَا لَدَى سِوَاهَا.
فَجْأَةً،
يُصْبِحُ مَا يُسَمَّى بِـ”العَالَمِ الأَوَّلِ”أَشْبَاحًا،
خَالِيَةً مِنَ العَطَاءِ،غَايَتُهُمُ الأَخْذُ، لَا النُّورُ.
وَدُوَلٌ بِاسْمِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَدْيَانِهِ،
عَائِدَةٌ إِلَى أُمِّيَّةٍ لَمْ تَكُنْ،وَإِلَى زَمَنٍ، مَا كَانَ لَهُ زَمَن.
الأَنْبِيَاءُ،وَالأَصْفِيَاءُ،مَرُّوا، وَأَضَاؤُوا،
ثُمَّ تَوَارَوْا،كَأَنَّهُمْ نَثَرُوا بُذُورًا فِي تُرَابٍ لَا يُمْسِكُ مَاء،
أَضَاؤُوا بُقْعَةً،
وَأَظْلَمَتْ أُخْرَى،أَنَارُوا قَلْبًا،
وَظَلَّ عَالَمٌ بِأَسْرِهِ فِي العَمَى.
فَأَيْنَ البَصْمَةُ الَّتِي لَا تُـمْحَى؟
أَيْنَ النُّورُ الَّذِي لَا يَخْبُو؟
لَا جَامِعَ إِلَّا أَنْتَ.
لَا وَجْهَةَ إِلَّا إِلَيْكَ.
وَلَا إِرَادَةَ حَقَّةٌ إِلَّا إِرَادَتُكَ النُّورَانِيَّةُ الَّتِي لَا تَتَبَدَّل.
يَا مَنْ بَدَأْتَنَا مِنْ غَيْرِ دِرَايَةٍ مِنَّا،
وَسَتَخْتِمُنَا دُونَ إِذْنٍ مِنَّا،
أَظْهِرْ وَجْهَكَ الحَقِّ فِي عَالَمٍ غَابَتْ فِيهِ الوُجُوه،وَاقْطَعْ دَابِرَ الظَّلَامِ الَّذِي تَمَدَّدَ فِي القُلُوبِ وَالعُقُولِ.
اجْعَلْ خُطَانَا فِي هَذَا التِّيْهِ نُورًا،
لَا غَفْلَة،
وَاجْعَلْ عُبُورَنَا عُبُورَ شُهُودٍ، لَا عُبُورَ غِيَاب.
يَا مَنْ أَنْتَ البِدَايَةُ وَالنِّهَايَة،
اجْعَلْنَا لَكَ بَيْنَهُمَا،
وَاكْتُبْنَا مِنَ الوَاقِفِينَ عَلَى بَابِكَ،
المُتَجَرِّدِينَ مِنْ كُلِّ مِقْيَاسٍ سِوَاك،
المُوقِنِينَ أَنَّهُ لَا وَطَنَ إِلَّا وَجْهُكَ،
وَلَا طَرِيقَ إِلَّا مَا فَتَحْتَ.
ٱلْمَنثُورَة رَقْمَ مِئَة
@جميع الحقوق محفوظة