دراسة حول المادة 50 /و من قانون العمل اللبناني - المحامي شادي أبو عيسى

شـــــادي خــــلـيـــل أبـــــو عــيـسى      

 محامٍ بالإستئناف    

 ماجستير بالمعلوماتية القانونية         

  رئيس مركز فِكر عضو الاتحاد العربي للملكية الفكرية

7 -9 -2021

دراسة تتعلق بمضمون المادة 50/و من قانون العمل اللبناني أهمية التشاور مع وزارة العمل


بداية، لا بد من الاشارة إلى أن قانون العمل أعطى كلا من صاحب العمل والأجير الحق بأن يوقف مفعول عقد العمل لقاء التقيد بما نص عليه الفصل الخامس من قانون العمل لجهة التعويض والعلم السابق (بهذا المعنى، قرار مجلس العمل التحكيمي تاريخ 15/6/1968). وبالتالي، كرّس المشترع ضمن قانون العمل حق كل من الفريقين بوضع حد لعقد العمل (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، قرار رقم 22 تاريخ 10/1/1967). وقد أشارت التوصية الدولية رقم 166 بشأن انهاء استخدام الأجراء بمبادرة من صاحب العمل، إلى وجوب أن يُعلم صاحب العمل الأجير كتابة بقرار انهاء استخدامه وأن يوضح له سبب تسريحه. وهكذا، يتبيّن، أنه، نظراً للمخاطر الجسيمة التي تنتج عن الحرية لكل من طرفي العقد بانهائه، اتجهت معظم التشريعات العمالية إلى تقييد حق الانهاء بشرطين أساسيين هما: الانذار المسبق وعدم التعسف في استعمال الحق (محمد الشخيبي، محاضرات البرنامج الوطني لحماية حقوق العمال- الوافي في قضايا العمل، أنطوان الناشف، ص.280). ويشير العلاّمة خليل جريج إلى أنه لا بد لالغاء العقد من انذار الطرف الآخر لاثبات تخلفه عن القيام بموجباته (خليل جريج، النظرية العامة للموجبات، ج 2، ص.430).

أهمية وضرورة التشاور مع وزارة العمل قبل انهاء عقود العمل

بالنسبة لتفسير المادة 50 الفقرة " و " من قانون العمل، نشير إلى ما يلي: أكد مجلس العمل التحكيمي في العديد من قراراته على الآتي: إن المشترع بفرضه على صاحب العمل موجب التشاور مع وزارة العمل لوضع برنامج نهائي لانهاء العقود وفقاً للمادة 50/و من قانون العمل، قصد أنه في حال عدم موافقة وزارة العمل على هذا البرنامج النهائي وعدم التوصل معها إلى اتفاق حول الوسائل اللازمة لاعادة استخدام الأجراء المصروفين من الخدمة، وإصرار صاحب العمل، بالرغم من ذلك، على عملية الصرف قبل انتهاء التشاور، يكون هذا الأخير قد خالف منطق الفقرة " و " من المادة 50 من قانون العمل، وبالتالي يكون الصرف مستنداً إلى سبب غير صحيح ومن قبيل التجاوز أو الاساءة في استعمال حق الفسخ. وأكثر، أكدت المحكمة أن نيّة المشترع تتعدى الإجراءات الشكلية إلى تقييد حرية صاحب العمل لمنعه من الانفراد في عملية الصرف لأسباب اقتصادية تتعلق بكيفية عمل مؤسسته. كما أكدت اجتهاد المحاكم على اتسام نص المادة 50/و بالطابع الالزامي لتعلقه بالنظام العام، معللاً ذلك بهدف نص المادة 50/و المتجه إلى حماية الأجير لمنع أي تجاوز قد سبب الاساءة إليه (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، قرار رقم 627/2018 وقرار رقم 673/2018 وقرار رقم 475/2018 ).

 وأكثر، وفي الاتجاه نفسه، ذهبت الغرفة الثالثة في مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، التي أشارت إلى أنه إذا لم يثبت وجود ظروف اقتصادية قاهرة تبرر الصرف وعدم تقيد صاحب العمل بالشرط الشكلي المفروض في الفقرة " و " من المادة 50 من قانون العمل، يقتضي استبعاد تطبيق هذه المادة (مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، قرار رقم 446/2018 وقرار رقم 151/2018).

وأيضاً، نشير إلى صدور قرار بتاريخ 19/11/2014 عن مجلس العمل التحكيمي في بيروت تحت رقم 1049/2014 ضد أحد المصارف، أكد فيه المجلس على أهمية الالتزام بمضمون المادة 50/و من قانون العمل. وجاء في هذا القرار ما يلي: عمد المصرف المدعى عليه وخلال فترة الوساطة مع وزارة العمل، إلى صرف أجيرة من عملها. وبطبيعة الحال، وخلال التحقيق، تبيّن أن الأجيرة تم صرفها تعسفاً وأن المصرف ارتكب تعسفاً في استعمال الحق.

 وقد أكد مجلس العمل التحكيمي في بيروت في قراره المذكور أعلاه، أن إقدام المدعى عليه على صرف الأجيرة خلال مرحلة التشاور مع وزارة العمل ومن دون أن ينتظر النتيجة التي قد تسفر عنها أمام وزارة العمل، يشكل إساءة من جانبه في استعمال حق الفسخ يستتبع الزامه بالتعويض عن الضرر اللاحق بالأجيرة. وقد أكد الاجتهاد على موجب صاحب العمل التشاور مع وزارة العمل بغية وضع برنامج لانهاء عقود عماله وفقاً للمادة 50/و من قانون العمل. وهذا الموجب هو الزامي يتعلق بالنظام العام (محكمة التمييز المدنية، رقم 102 تاريخ 21/12/1993. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 39 تاريخ 24/3/1997. وقرار مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان رقم 165 تاريخ 13/12/1999 وتاريخ 10/2/2000. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في لبنان الشمالي، رقم 82 تاريخ 1/12/1992). 

كما أكدت محكمة التمييز المدنية، في قرارها رقم 119 تاريخ 13/11/2012 على أنه بامكان صاحب العمل انهاء عقد العمل لظروف اقتصادية او لقوة قاهرة ولكنه ملزم في هذه الأحوال ابلاغ وزارة العمل والتشاور معها في هذا المجال ومخالفة هذه الاجراءات يؤدي إلى اعتبار فسخ العقد تعسفياً. وأشار مجلس العمل التحكيمي في بيروت في قراره رقم 867 تاريخ 02/11/2004 على  أن الفقرة " و " من المادة 50 من قانون العمل خوّلت صاحب العمل انهاء عقود عمل اجرائه لأسباب اقتصادية. إنما أوجبت عليه اضافة إلى ابلاغ وزارة العمل، اجراء التشاور معها للوقوف على صحة هذا الانهاء وذلك كشرط جوهري، وبالتالي فان الاخلال بهذا الموجب يجعل واقعة الصرف حاصلة بشكل تعسفي، الأمر الذي يحمل صاحب العمل موجب التعويض على الأجير. 

وبطبيعة الحال، نشير إلى أن تمسك صاحب العمل بالأمور الشكلية الواردة في المادة 50/و من قانون العمل أي فقط قيامه بمسألة ابلاغ وزارة العمل من دون إجراء التشاور الفعلي معها أو انتظار نتيجة التشاور، يشكل تحالياً على القانون ويدخل تصرف صاحب العمل ضمن خانة التعسف في استعمال الحق. إذ يقع على عاتق الوزارة الدور المحوري في التأكد والتصديق على أقوال صاحب العمل في حال صحتها، مانعة إياه من استغلال قوته (صاحب العمل عرفاً وفقهاً واجتهاداً هو الطرف الأقوى في العلاقة التعاقدية) للانفراد في القرار وتعديل وضع عماله من دون رقيب. 

ويحق طبعاً، للأجير أن يطالب صاحب العمل المتعسف في استعمال الحق بعوض اضافي نتيجة الضرر وفقاً للمادة 265/2 من قانون الموجبات والعقود (مجلس العمل التحكيمي في لبنان الشمالي، رقم 54 تاريخ 11/2/1998).

الأخذ بالتفسير الأكثر رحمة وفائدة للأجير 

إذا كانت القاعدة القانونية تحتمل التفسير على أكثر من وجه، يجب الأخذ بالتفسير الذي هو أكثر حماية لمصلحة العامل (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 575/71). وفي السياق عينه، إن القواعد المتعلقة بقضايا العمل غايتها اجتماعية التي توجب الأخذ بالتفسير الأكثر رحمة وفائدة للأجير (مجلس العمل التحكيمي في لبنان الشمالي، رقم 254 تاريخ 23/12/1998. وبنفس المعنى: عصام القيسي، قانون العمل، ص. 29. وأيضاً: حسن كيره، أصول قانون العمل، ص. 72).

مخاطر عدم انتظار صاحب العمل نتيجة التشاور مع وزارة العمل وقيامه بصرف أجير

 لا بد من الاشارة إلى أن المادة 50/و من قانون العمل، أكدت على ضرورة إجراء التشاور مع وزارة العمل. إذا ما الفائدة من التشاور مع وزارة العمل عندما يُبادر صاحب العمل إلى صرف أحد الأجراء من دون حتى الانتظار نتائج التشاور أو إقفال الملف لدى وزارة العمل!! أمر مستغرب فعلاً!! وكأن تصرف صاحب العمل يدخل ضمن خانة عدم الاهتمام لدور وزارة العمل في هذا الشأن. وإن مسألة التشاور مع الوزارة أكد عليها المشترع عند إصداره لقانون العمل (شادي خليل أبو عيسى، " الوفاق نيوز " تاريخ 20/1/2021).

إذ أن المادة 50/و من قانون العمل أكدت على ضرورة التشاور مع وزارة العمل. وبما أنه، يقع عبء اثبات القوة القاهرة على صاحب العمل وعليه اثبات ظروف التدبير المتخذ والمسببات والمبررات، فإذا لم يفعل، اعتبر مسؤولاً عن فسخ العقد واستحق للأجير تعويض عن صرفه من الخدمة وعن الانذار (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 197 تاريخ 14/2/1967). وإن الظروف الاقتصادية المتردية لا تشكل سبباً لانهاء عقد العمل في حال عدم التشاور مع وزارة العمل، مما يؤدي إلى اعتبار الصرف تعسفياً موجباً للتعويض (محكمة التمييز المدنية، رقم 39 تاريخ 31/3/2003. ومجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 865 تاريخ 2/11/2004). وإن عدم مراجعة صاحب العمل الوزارة والتشاور معها وفقاً لما تفرضه الفقرة " و " من المادة 50 من قانون العمل، يؤدي إلى اعتبار الصرف بمثابة تعسفي موجب للتعويض (محكمة التمييز المدنية، قرار رقم 48 تاريخ 24/4/2006. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، قرار رقم 241 تاريخ 8/5/2006). وإن عدم مراعاة تطبيق هذه الفقرة يؤدي إلى اعتبار الصرف تعسفياً (محكمة التمييز المدنية، رقم 17 تاريخ 22/2/2011. ورقم 40 تاريخ 11/5/2010. ورقم 115 تاريخ 29/6/1999. ورقم 102 تاريخ 21/12/1993. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 156 تاريخ 16/3/2015. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في لبنان الشمالي، رقم 82 تاريخ 1/12/1992).

علماً بأن الأجير هو العنصر الأضعف اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، وان الشك هو في مصلحة الأجير (محكمة التمييز المدنية، حكم رقم 63 تاريخ 4/10/2012). ويقتضي الأخذ بتطبيق القانون الأفضل لمصلحة الأجير (مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 176/98) ويجب تفسير القواعد القانونية وفقاً لما هو أصلح للعامل (محكمة التمييز المدنية، تاريخ 13/4/1993) وترجيح مصلحة الأجير عند وجود الشك كونه الأضعف اقتصادياً (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، تاريخ 15/2/1989).

ونكرر هنا، أن دور وزارة العمل ليس بمثابة دور عابر ثانوي، وإلاّ فما الفائدة من التشاور مع وزارة العمل إذا كان صاحب العمل يريد تجاوز دور تلك الوزارة وتخطي مهامها وصولاً إلى ضرب المكانة المعنوية والقانونية للوزارة. إذ ما الفائدة من مضمون المادة 50/و، إذا كان صاحب العمل يريد فقط اعتماد مسألة ابلاغ الوزارة شكلاً من دون التشاور معها فعلياً وانتظار نتيجة التشاور. نستغرب تصرف المدعى عليه!! فدور وزارة العمل هو التدقيق في المستندات المبرزة من قبل صاحب العمل للتأكد من مدى توافر الأسباب الاقتصادية التي تبرر الصرف من عدمه.

وهنا، نشير إلى أنه لا يجوز وفقاً لقرار وزير العمل رقم 193/2006، صرف الأجراء لأسباب اقتصادية، من دون التشاور مع الوزارة وإلاّ يعتبر كل انهاء لعقود الأجراء بمثابة صرف تعسفي أي يقتضي الالتزام بمضمون المادة 50/و من قانون العمل. وهذا ما أكدت عليه محكمة التمييز المدنية في قرارها رقم 116 تاريخ 31/10/2013. وأيضاً، قرار محكمة التمييز المدنية رقم 4 تاريخ 28/1/1992.

وقد اعتبرت وزارة العمل في أيلول 2016 أن التبليغ الشفهي للأجير بالصرف ليس تبليغاً رسمياً والوزارة لا تعترف به، وبالتالي يمنع على صاحب العمل أن يصرف أي أجير دون توجيه انذار خطي له وتوضيح أسباب الصرف عملاً بأحكام المادة 50/ج من قانون العمل. وعلى سبيل المثال، نشير إلى أن التبليغ بالصرف يقتضي أن يوجه ويبلغ إلى صاحب العلاقة -الأجير.

كما أوجب قانون العمل أن يكون الانذار الموجه إلى الأجير خطياً وأن يبلغ إلى صاحب العلاقة، ولم يقصد القانون بهذا التبليغ مجرد ارسال كتاب بهذا المعنى بالبريد المضمون أو ما شابه، بمعزل عن مصير هذا الكتاب، وإنما أن يتم ابلاغه من صاحب العلاقة وفقاً للأصول (محكمة التمييز المدنية، قرار رقم 78 تاريخ 23/7/1993). وبالتالي، يجب التنبه إلى هذه النقطة الجوهرية. وقد أكدت المادة السابعة من اتفاقية العمل رقم 158 على أنه لا ينهى استخدام عامل لأسباب ترتبط بسلوكه أو أدائه قبل أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه ضد الاداعاءات الموجهة إليه (شادي خليل أبو عيسى، دراسة قانونية منشورة في " الوفاق نيوز "، تاريخ 20/1/2021).

كما أكد وزير العمل بتاريخ 5/12/2019 على ما يلي: عملاً بالمادة 50 من قانون العمل، لا سيما الفقرة " و " منه  والتي تنص على التالي: يجوز لصاحب العمل إنهاء بعض أو كل عقود العمل الجارية في المؤسسة إذا اقتضت قوة قاهرة أو ظروف إقتصادية أو فنية هذا الانهاء، كتقليص حجم المؤسسة أو استبدال نظام إنتاج بآخر أو التوقف نهائياً عن العمل. وعلى صاحب العمل أن يبلغ وزارة العمل رغبته في إنهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذه، وعليه أن يتشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الإنهاء تراعى معه أقدمية العمل في المؤسسة وإختصاصهم وإعمارهم ووضعهم العائلي والإجتماعي وأخيراً الوسائل اللازمة لإعادة إستخدامهم.

وأكثر، تبنى المشترع اللبناني نظرية العلاّمة جوسران في قانون الموجبات والعقود، إذ نصت المادة 124 منه على ما يلي: يلزم أيضاً بالتعويض من يضر بالغير بتجاوزه في أثناء استعماله حقه حدود حسن النيّة أو الغرض الذي من أجله منح هذا الحق. وبالتالي، يتبيّن من صراحة تلك المادة أن المشترع أطلق قاعدة عامة تتناول كافة الحقوق بدون استثناء بما فيها حق صاحب العمل بصرف الأجير (أنطوان الناشف، الوافي في قضايا العمل، ص. 308). ويجب على كل من صاحب العمل والعامل أن يُعلم الطرف الآخر رغبته في انهاء العقد (المرجع السابق، ص. 310).

وعلى سبيل المثال، نشير إلى أن نموذج اعلام عن ترك أجير عمله في المؤسسة (نموذج الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي)، يذكر صراحة الخانة المخصصة لاسم وتوقيع الاجير مع ذكر العبارة التالية: أوافق على صحة المعلومات المدرجة أعلاه: التاريخ...اسم الأجير وتوقيعه. وبالتالي، يتضح بما معناه من مضمون هذا النموذج، أن توقيع الأجير أساسي وبالتالي علمه بترك العمل مع ذكر سبب ترك العمل. وهنا، نكرر بأن ابلاغ الأجير قرار صرفه من العمل هو أساسي ولا يمكن تجاهل هذه النقطة لأي سبب كان وإلاّ كنا في حالة تعسف في استعمال الحق من قبل صاحب العمل. وأكثر، وعلى سبيل المقارنة لا أكثر، إن صرف أي فرد من أفراد الهيئة التعليمية يقتضي أن يتم خطياً وأن يبغ إلى صاحب العلاقة ( المرجع السابق، ص. 535).

وبالتالي، إن ابلاغ المعلم يقتضي أن يتم فعلياً ويبلغ إليه، وهذه هي الحال بالنسبة للأجير في قانون العمل بصورة عامة.

 ويشير العلاّمة خليل جريج إلى أنه لا بد لالغاء العقد من انذار الطرف الآخر لاثبات تخلفه عن القيام بموجباته (خليل جريج، النظرية العامة للموجبات، ج 2، ص.430).

وهناك فارق تقني وعملي بين الابلاغ والتشاور مع الوزارة، وعلى صاحب العمل الالتزام بمسألة الابلاغ والتشاور معاً.

وأكثر، 

يتوجب على صاحب العمل الذي يريد صرف أجير وفقاً للمادة 50/و من قانون العمل، التشاور مع وزارة العمل. وفي حال قيام صاحب العمل بصرف الأجير خلال فترة التشاور، عندها يعتبر هذا الصرف تعسفياً ويلزم صاحب العمل بتسديد التعويض المناسب للأجير. وهنا، لا بد من الاشارة إلى أن المشترع، في الفقرة " و " من المادة 50 من قانون العمل، لم يكتف بضرورة ابلاغ وزارة العمل نية صاحب العمل انهاء العقد، بل ألزم هذا الأخير أي صاحب العمل التشاور مع الوزارة بغية وضع برنامج لذلك الإنهاء.

وعليه، فإن عدم تقيد صاحب العمل بالموجب المذكور أعلاه، يؤدي إلى اعتبار الصرف الحاصل بسبب أوضاع اقتصادية، من قبيل الصرف التعسفي الموجب للتعويض. وهذا الموجب هو الزامي يتعلق بالنظام العام وهو يهدف إلى حماية الأجير الذي هو الطرف الأضعف اقتصادياً واجتماعياً (مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 156 تاريخ 16/3/2015. وأيضاً: رقم 39 تاريخ 24/3/1997. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في لبنان الشمالي، رقم 82 تاريخ 1/12/1992. وأيضاً: محكمة التمييز المدنية، رقم 102 تاريخ 21/12/1993).

وأيضاً، إن قيام صاحب العمل بتنفيذ قرار صرف أجير بعد ابلاغ وزارة العمل، ومن دون انتظار نتيجة التشاور مع الوزارة، يشكل مخالفة للأصول المرعية الإجراء ويعتبر صرف الأجير من قبيل الاساءة أو التجاوز في استعمال حق الصرف ويحق للأجير المطالبة بتعويض. إذ أن عملية التشاور مع وزارة العمل ملزمة لصاحب العمل قبل الإقدام على انهاء عقود عمل جارية في مؤسسته لظروف اقتصادية (وليم الغريب، قانون العمل اللبناني، ص. 454).

وإن عدم تقديم صاحب العمل أي دليل يعزز وجود ظروف صعبة اقتصادية وعدم التقيد بأحكام المادة 50/و من قانون العمل لجهة التشاور مع وزارة العمل قبل صرف أي أجير، وثبوت عدم توجيه أي انذار مسبق إلى الأجير، كل ذلك يؤدي إلى تحقق واقعة الصرف التعسفي (محكمة التمييز المدنية، رقم 17 تاريخ 22/2/2011). إذ أن الظروف الاقتصادية التي تطال مؤسسة لا تشكل قوة قاهرة تبرر عدم تنفيذ العقد، إذ  على الأقل دفع أو مقاومة نتائجها (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 1496 تاريخ 6/12/1968).

ونشير أيضاً، إلى أن قواعد قانون العمل تتميز بخاصة انها آمرة أي وضعت أساساً لحماية الطبقة العاملة، فلا يجوز مخالفتها أو عدم تطبيقها إلاّ إذا كانت المخالفة تصب في مصلحة الأجير بالفعل (وليم الغريب، قانون العمل اللبناني، ص. 11).

وقد أكد اجتهاد مجلس العمل التحكيمي في بيروت أن المادة 30 من الاتفاقية العربية رقم 1 لعام 1966 التي انضم إليها لبنان بموجب القانون رقم 183/2000، قد أجازت للمجلس تقدير التعويض الذي يتوجب للأجير عن الضرر الذي أصابه من جرّاء الفسخ التعسفي مع مراعاة نوع العمل ومقدار الضرر ومدة الخدمة، إضافة إلى العرف الجاري الثابت في القطاع المصرفي.

ولتوضيح أكثر وأكثر مضمون المادة 50/و من قانون العمل، نشير إلى ما يلي:

 إن تمسك صاحب العمل بالأمور الشكلية الواردة في المادة 50/و من قانون العمل، أي قيامه فقط بمسألة ابلاغ وزارة العمل من دون انتظار نتيجة التشاور أو إجراء التشاور، يشكل تحايلاً على القانون ويدخل تصرف صاحب العمل ضمن خانة التعسف في استعمال الحق، ويكون قد ارتكب ما يسمى صرفاً تعسفياً بحق الأجير. وبالتالي، إن قيام صاحب العمل بابلاغ الوزارة من دون انتظار نتيجة التشاور معها، إنما يفرّغ المادة 50/و من مضمونها ومن روحها وأبعادها، ويكون قد ابتعد عن الغاية التي وُضع من أجلها قانون العمل والتي تتفرع بدورها عن طبيعة قانون العمل والنظام العام الاجتماعي الحمائي الذي يوجده. وهنا، يكمن دور وزارة العمل، بحيث يقع على عاتقها التأكد والتصديق على رواية صاحب العمل القانونية في حال صحتها، مانعة إياه من استغلال قوته (صاحب العمل عرفاً وفقهاً واجتهاداً هو الطرف الأقوى في العلاقة التعاقدية مع الأجير) للإنفراد في القرار وتعديل وضع عماله دون رقيب أو حسيب. وهذا ما أكدته الدراسات والأبحاث القانونية (مريم مهنا ونجلا نجار، كيف قاربت مجالس العمل التحكيمية تبرير أصحاب العمل للصرف، المفكرة القانونية، 27/8/2019).

وإن عدم مراعاة الشرط الجوهري الوارد في الفقرة " و " من المادة 50 من قانون العمل يؤدّي إلى اعتبار الفسخ تعسّفياً (محكمة التمييز المدنية، الغرفة الثانية، قرار رقم 54 تاريخ 6/4/1999).

وأكثر،

 في حال لم توافق وزارة العمل على برنامج صاحب العمل لإنهاء بعض عقود العمل لديه وعدم التوصل مع وزارة العمل إلى اتفاق حول الوسائل اللازمة لإعادة استخدام الأجراء المصروفين من الخدمة، فلا يحق لصاحب العمل أن يضع عملية الصرف قيد التنفيذ، وإلاّ يكون في حالة مخالفة لمنطوق الفقرة  " و " من المادة 50 من قانون العمل. وبالتالي، يكون الصرف مستنداً إلى سبب غير صحيح، ومن قبيل التجاوز أو الاساءة في استعمال حق الفسخ.

وقد ذهب الاجتهاد في عدّة قرارات إلى التذكير بأن نيّة المشترع تتجاوز الإجراءات الشكلية إلى تقييد حرية صاحب العمل لمنعه من الإنفراد في عملية الصرف لأسباب اقتصادية تتعلق بكيفية عمل مؤسسته (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 627/2018، وقرار رقم 673/2018 وقرار رقم 475/2018).

ونلفت النظر هنا إلى أن الاجتهاد الفرنسي متشدّد في اشتراطه وجود صعوبات اقتصادية حقيقيّة تبرر الصرف، وإذا لم يتم اثبات تواجد الظروف الاقتصادية القاهرة، عندما يكون صاحب العمل هو الذي تسبب قصداً بالحالة السيئة. 

(JACQUES LE GOFF, Droit du Travail et Société, P.872).

واستطراداً، أكد مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان في قراره رقم 318 تاريخ 23/7/1969 على أن المدة التي يلزم فيها الأجير خلالها على البقاء في مركز العمل تعتبر جزءاً لا يتجزأ من أوقات العمل. ومن المتفق عليه علماً واجتهاداً أن الوقت الذي يقضيه الأجير تحت تصرف صاحب العمل يعتبر داخلاً ضمن أوقات العمل حتى ولو لم يقم خلاله بخدمة فعلية (نقولا أسود، دروس في قانون العمل والقانون الاجتماعي، ص. 80).

ختاماً، نشير إلى أنه، في قضايا العمل، ترجح مصلحة الأجير عند وجود الشك، ويبرر ذلك كون الأجير هو الأضعف اقتصادياً ومالياً واجتماعياً (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، تاريخ 15/2/1989)، خاصة أن من حق الأجراء أن يستفيدوا من الاتفاقيات والأنظمة الأكثر فائدة لهم وفقاً للمادة 43 من قانون العمل (محكم التمييز المدنية، رقم 130 تاريخ 31/7/1997)، سيما أن لبنان ملتزم بالاتفاقية العربية رقم 1/66 التي انضم إليها بموجب القانون رقم 183 تاريخ 24/5/2000، إذ أن الهدف من عقد العمل هو الحفاظ على الرابطة واستمرارية العمل تحقيقاً للاستقرار المنشود. ويجب دوماً تفسير قواعد العمل وفقاً لما هو أصلح للعامل (محكمة التمييز، الغرفة السادسة المدنية، تاريخ 13/4/1993).

المحامي شادي خليل أبو عيسى

 رئيس مركز فِكر ICIP 

عضو اتحاد المحامين العرب 

عضو الاتحاد العربي للملكية الفكرية

@ حقوق المؤلف محفوظة