صناعة الدواء والمحسوبيات / دكتور خضر الحلبي

د . خضر الحلبي / باحث في العلوم الطبية والتكنولوجية

17 -7-2021

يمر لبنان بأزمة معيشية الأكثر عنفا في التاريخ حيث تزداد المخاوف من أن تطال تلك الأزمة الأدوية في ظل تهريب المستورد منها واستبدالها بأدوية غير موثوقة بغض النظر عن مصدرها ورفع الدعم عن بعضها التي فاقت تسعيراتها القدرة الشرائية للمواطنين مما ستشكل أزمة أسوأ من سابقتها، ان لبنان يستورد أدوية من الدول العربية تصل الى نحو 700 دواء يستوردها من 40 دولة، ويصدر أدويته الى 11 دولة فقط رغم أن لا أحد يستقبل أدويته والسبب عائد الى السياسات الفاشلة التي اتخذت اساسا لها المحاصصة والمحسوبية وهجرت الأدمغة واحتالت على المغتربين والمستثمرين لتصبح الحاكم والحكم بمستقبل المواطن وبحياته وصحته. 

صناعة الدواء في لبنان ليست جديدة وتعد متقدمة والأهم في منطقة الشرق الأوسط، كان هناك 16 مصنعا تنتج أنواعا مختلفة من الأدوية تعطي حصة كبيرة لسوق الاستهلاك المحلي وتصدر الى الأسواق المجاورة ولكن وبسبب الحرب الأهلية أقفلت غالبيتها ليعود فتح أبواب أحد عشر مصنعا عند انتهاء الحرب. 

يبلغ عدد شركات الأدوية المسجلة لدى وزارة الصحة مئة شركة، بينها أربعون شركة فاعلة في السوق مسجلة لدى جمعية مستوردي الأدوية، بالإضافة الى عشرون شركة فاعلة أخرى غير مسجلة في الجمعية. أما الأربعون الباقية فهي إما تبيع بكميات ضئيلة أو متوقفة عن العمل. ويوجد ايضا عدد محدود من الشركات غير المستوردة وتملك أذونات توزيع داخل الأراضي اللبنانية. ويصل عدد الأدوية المسجلة لدى وزارة الصحة إلى ثلاثة آلاف وثلاثمئة صنف دواء، ستون في المئة منها أصلية، والأربعون في المئة الباقية "جنريك". وهنالك ستة شركات فقط تحتكر سوق الدواء في لبنان ومحمية بالوكالات الحصرية الممنوحة لها وتحدد نسب الارباح من سوق مزدهر يستورد سنويا بما يقارب مليار و900 مليون دولار وتتذرع بان وزارة الصحة هي التي تضع جداول الاسعار. 

تبلغ قيمة الفاتورة الدوائية نحو مليار وتسعمائة مليون دولار ( 1.9 مليار دولار ) سنوياً، وتبلغ نسبة حصّة الدواء المنتج محلّياً سبعة بالمئة ( 7% ) فقط من حصّة السوق الدوائي المستهلك في لبنان وكل عمليات استيراد الدواء تتم بالعملات الاجنبية وبهذا زاد العجز في الميزان التجاري في قطاع الدواء حيث كان مصرف لبنان يؤمن الاعتمادات المطلوبة بنسبة 85 في المئة للدواء ولا يغطي المستلزمات الطبية.  

بعدما رأينا أن الإقتصاد الريعي زاد لبنان عجزا وأصبح من الضرورة الاتجاه لخيار الاقتصاد المنتج القائم على الصناعة، فالسياسة الاقتصادية في لبنان هي "اقتصاد حر" التي اعطت الأولوية للتجار والمستوردين لزيادة رأسمالهم وتوسيع شركاتهم وطبعا مع الأخذ بعين الاعتبار المصالح الخاصة المدعومة من السياسيين اللذين اسغلوا هذه الأولية وأصبحوا شركاء الشركات الكبرى لتزيد من الاحتكارات الممنوحة لبضعة اشخاص لاستيراد الدواء، وبدورهم أهملوا القطاعات الانتاجية ووضعوا ضوابط وشروط شبه تعجيزية لكبح المواطن العادي من انشاء مصانع انتاجية في لبنان للتخفيف من قيمة فاتورة الدواء وتأمين فرص عمل لأبناء الوطن والمقيمين به  وبدورها تحارب البطالة وتزيد من كمية الانتاج.    

 إن حماية الصناعة الوطنية والسماح بتشيد مصانع تنتج الأدوية والمكملات الغذائية وكذلك المستلزمات الطبية مع وضع ضوابط تجعل الدولة توازن بينها وبين الاستيراد ستفعل حكما دور المنافسة وتنخفض الأسعار ولن يعود الاحتكار واردا، وبالتالي نكون أيضا قد حمينا الأمن الدوائي من العبث ان كان تزويرا أو غيره، فشعور المواطن بأنه بحاجة الى الأمان على صحته وحياته واجب انساني ووطني ويكون من خلال تلبية الإستهلاك المحلي في الوقت المناسب وبسعر معتدل، ليصل حد ارتباطه بالطمأنينة والإستقرار والسلامة العامة.  تعمل الدول المتحضرة الى تخفيض سعر عملتها من أجل تشجيع التصديرليتدفق الدولارات اليها، والبعض الآخر تقوم باجراءات جمركية صارمة لحماية صناعتها، أما في لبنان يختلف الأمر تماما فإن الدولة تستنزف العملات الصعبة من الخزينة وتشجع التجارة والإستيراد بدلا من تشجيع الصناعة والتصدير.


 لقد وصف وزير الصناعة في حكومة حسان دياب المستقيلة بأن مافيا الدواء هي "منظومة سياسية مالية قضائية، واعلامية متكاملة" تحقق الارباح الطائلة وتهيمن وتعطل هذا القطاع الحيوي الذي يحتاجه لبنان كثيرا. فإننا الآن بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى بتفعيل قطاع صناعة الأدوية والمكملات الغذائية المحلية وحث الحكومة لتسهيل اعطاء التراخيص بعيدا عن المحاصصات والمحسوبيات لتوظيف فكر وطاقات المنتجين اللبنانيين بدعم الاقتصاد اللبناني وتحويل هذا القطاع من ريعي الى منتج وخصوصا بعد اعتراف دولة رئيس حكومة لبنان المستقيل حسان دياب بأن الدولة غائبة، ومطالبة الحكومة بتشجيع هذه الصناعة من خلال تقديم التسهيلات، وتطبيق سياسة المعاملة بالمثل، وفك حجز أموال الشركات والمؤسسات التعسفي في المصارف ليستعيد اللبناني المغترب والمقيم ثقته بالاستثمار في لبنان وجلب المستثمرين، وانشاء مختبر مركزي للاشراف على إنتاج الأدوية بالمواصفات العالمية واثبات جودته، وتوظيف الكفاءات ودعم الخطط الجديدة المبنية على الأسس العلمية لتطوير هذه الصناعة الهامة صناعة الدواء والمكملات الغذائية على مختلف انواعها.