*غَزَلٌ* 🍂

الكاتب أ. عماد الاعور


ما مِنْ عَيْنٍ رَأَتْ، لِأَنَّ العُيُونَ دُونَ نُورِكَ عَمْيَاءُ،

وما مِنْ أُذُنٍ سَمِعَتْ، لِأَنَّ الصَّوْتَ الَّذِي لَيْسَ مِنْكَ صَدًى لِلْعَدَمِ،

وما مِنْ حُلْمٍ بَلَغَ، لِأَنَّ الأَحْلَامَ الَّتِي لا تَمُرُّ مِنْكَ خَيَالٌ تَائِهٌ،

وما مِنْ أَمَلٍ ارْتَقَى، لِأَنَّ الرَّجَاءَ الَّذِي لا يَلْتَجِئُ إِلَيْكَ وَهْمٌ سَقِيمٌ،

وما مِنْ آهٍ عَلَتْ، وما مِنْ شَغَفٍ احْتَرَقَ، إِلَّا كَانَا رَمَادًا فِي الرِّيحِ،

إِلَّا عِشْقَكَ يَا إِلَهِي،

ذَاكَ العِشْقُ الَّذِي لا يُقَاسُ، ولا يُرْوَى، ولا يُطْفَأُ،

ذَاكَ الهَوَى الَّذِي يُمِيتُ العَاشِقَ عَنْ نَفْسِهِ، وَيُحْيِيهِ بِكَ، فِيكَ، إِلَيْكَ.
فِيكَ الأَمَانُ حِينَ تَضِجُّ العُقُولُ بِفِكْرٍ لا يُنْبِتُ يَقِينًا،

وَفِيكَ السَّلَامُ حِينَ تَضِلُّ الأَرْوَاحُ عَنْ مَوْرِدِهَا،

وَفِيكَ الحَنَانُ، لا كَحَنَانِ المَخْلُوقِ، بَلْ كَرَحْمَةٍ وُصِفَتْ بِأَنَّهَا وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ،

وَفِيكَ الصَّفَاءُ الَّذِي يُصَفِّي القَلْبَ مِنْ كَدَرِ الكَثْرَةِ،

وَفِيكَ الحَيَاءُ، حَيَاءُ المُقَرَّبِينَ إِذَا تَجَلَّى لَهُمْ نُورُ جَلَالِكَ،

وَفِيكَ النَّقَاءُ، نَقَاءُ الأَرْوَاحِ قَبْلَ أَنْ تُدَنِّسَهَا الظِّلَالُ،

وَفِيكَ سِتْرُ الرِّدَاءِ، رِدَاؤُكَ الَّذِي لا يَكْشِفُهُ سُؤَالُكَ، ولا يَبْلُغُهُ وَصْفُكَ، ولا يُحِيطُ بِهِ نَظَرُكَ.
يَا اللهُ…

يَا مَنْ إِذَا نَادَيْتُهُ وَجَدْتَنِي، وَإِذَا سَجَدْتُ لَهُ غِبْتُ عَنِّي،

يَا بِحَارَ النِّعَمِ الَّتِي لا سَاحِلَ لَهَا،وَيَا سَمَاوَاتِ الخَيْرِ الَّتِي لا حُدُودَ لِعُلُوِّهَا،

وَيَا شَجَاعَةَ العَدَالَةِ الَّتِي تُنْصِفُ كُلَّ نَفْسٍ بِمِيزَانِكَ،

قَلْبِي لَكَ…

لا لِشَيْءٍ أَرْجُوهُ، ولا لِنَعِيمٍ أُبَشَّرُ بِهِ،بَلْ لِأَنَّكَ أَنْتَ، 

وَلِأَنَّ الحُبَّ فِيكَ وَحْدَكَ لا يَزُولُ.
ما مِنْ عَيْنٍ رَأَتْكَ، وَما رَأَتْ،لِأَنَّ العُيُونَ لا تُبْصِرُ إِلَّا مَا أَذِنْتَ لَهُ أَنْ يُبْصَرَ،

وَما أَذِنْتَ إِلَّا لِمَنْ طَهُرَ سِرُّهُ مِنْ دَنَسِ التَّعَيُّنِ،

 وَذَابَ فِيكَ حَتَّى تَوَحَّدَ.وَما مِنْ أُذُنٍ سَمِعَتْكَ،

إِلَّا تِلْكَ الَّتِي اعْتَادَتْ أَنْ تُصْغِيَ لِصَمْتِكَ قَبْلَ كَلَامِكَ،

وَتَرْتَجِفَ عِنْدَ كُلِّ خَفْقَةِ نِدَاءٍ مِنْكَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ،

فَسَمِعَتْكَ لا فِي صَوْتٍ، بَلْ فِي وُجَيْبِ الحُضُورِ.
وَما مِنْ حُلْمٍ وَصَلَ، لِأَنَّ الوُصُولَ وَهْمٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَيْكَ،

وَما مِنْ أَمَلٍ ارْتَقَى، لِأَنَّ كُلَّ رَجَاءٍ لا يُلْقِي بِنَفْسِهِ فِي بَحْرِكَ،

يَبْقَى أَسِيرًا عِنْدَ أَبْوَابِ العَالَمِ الزَّائِلِ.
وَما مِنْ آهٍ عَلَتْ إِلَّا وَكَانَتْ رَجْعَ صَدًى لِحَنِينِ الخَلِيقَةِ نَحْوَكَ،

وَما مِنْ شَغَفٍ احْتَرَقَ، إِلَّا وَكَانَ حَطَبَهُ نَفْسًا لَمْ تُرْوَ مِنْكَ،

فَاحْتَرَقَتْ شَوْقًا، لِتَصِيرَ رَمَادًا يُذَرَّى فِي رِيحِ اسْمِكَ.
ما مِنْ عِشْقٍ كَعِشْقِكَ، يَا سِرَّ السِّرِّ،

ذَاكَ العِشْقُ الَّذِي لا يُكْتَبُ، لا يُقَالُ، لا يُحَدُّ،ذَاكَ الَّذِي يُفْنِي وَلا يُمِيتُ، 

وَيُغَيِّبُ العَاشِقَ عَنْ نَفْسِهِ لِيُقِيمَهُ بِكَ.

عِشْقُ الأَرْوَاحِ إِذْ خُلِقَتْ عَلَى فِطْرَتِكَ،وَعِشْقُ الأَرْوَاحِ إِذْ عَادَتْ إِلَيْكَ،

وَمَا بَيْنَهُمَا اشْتِيَاقٌ لا يُسْكَتُ، وَنَارٌ لا تُطْفَأُ، وَحَنِينٌ لا يَنَامُ.
فِيكَ الأَمَانُ…أَمَانٌ مِنَ التِّيهِ إِذَا اسْتَيْقَظَ الفِكْرُ فَوَجَدَكَ مَرْجِعَهُ،

وَأَمَانٌ مِنَ الشَّكِّ إِذَا خَفَقَتِ الرُّوحُ بِاسْمِكَ، 

فَسَكَنَتْ.وَفِيكَ السَّلَامُ…

سَلَامُ مَنْ تَرَكَ زِحَامَ المَعَانِي، وَلَاذَ بِالمَعْنَى الوَاحِدِ: أَنْتَ.وَفِيكَ الحَنَانُ…

حَنَانٌ لا يُشْبِهُ حَنَانَ أُمٍّ، وَلا رَحْمَةَ عَاشِقٍ،

بَلْ هُوَ حِضْنُ الأَحَدِيَّةِ الَّذِي لا يُحَاصَرُ،وَبَسْمَةُ الأَزَلِ الَّذِي لا يُطَالُ.

وَفِيكَ الصَّفَاءُ…صَفَاءٌ يَجْعَلُ القَلْبَ مِرْآةً، 

لا تَرَى إِلَّا وَجْهَكَ.وَفِيكَ الحَيَاءُ…

حَيَاءُ مَنْ رَأَى نُورَكَ فَغَابَ عَنْ ذَاتِهِ خَجَلًا،

وَوَجِلَ أَنْ يَرَاكَ فَلا يَسْتَحِقَّ النَّظَرَ.وَفِيكَ النَّقَاءُ…

نَقَاءُ الأَنْفَاسِ الأُولَى حِينَ نُفِخَتِ الرُّوحُ،

وَنَقَاءُ الدَّمْعِ إِذَا سَالَ فِي خَلْوَةٍ، 

بِاسْمِكَ وَحْدَكَ.وَفِيكَ سِتْرُ الرِّدَاءِ…

ذَاكَ الرِّدَاءُ الَّذِي لَوْ كُشِفَ لَمَحَا الوُجُودَ،

وَلَوْ رُفِعَ لانْطَفَأَ الكَوْنُ فِي لَمْحَةٍ.
يَا اللهُ…

يَا مَنْ إِنْ نَادَيْتُكَ أَجَبْتَ قَبْلَ النِّدَاءِ،وَإِنْ سَجَدْتُ لَكَ، 

سَجَدَتْ مَعِي الأَكْوَانُ مِنْ حَوْلِي،لِأَنَّكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ،

وَمَعَ كُلِّ شَيْءٍ،وَبَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ،وَ

قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ،بَلْ أَنْتَ لا شَيْءَ بَعْدَكَ وَلا قَبْلَكَ،أَنْتَ الوُجُودُ، 

بَلْ مَا فَوْقَ الوُجُودِ،أَنْتَ المَعْنَى إِذَا تَجَلَّى،

وَالهَوَى إِذَا تَقَدَّسَ،وَالسِّرُّ إِذَا نَطَقَ.
يَا بِحَارَ النِّعَمِ… الَّتِي لا تُعَدُّ،

 لِأَنَّ كُلَّ عَدٍّ قَاصِرٌ عَنْ شُمُولِكَ،وَيَا سَمَاوَاتِ الخَيْرِ… 

الَّتِي تَتَسَاقَطُ مِنْهَا رَحْمَتُكَ كَالمَطَرِ،فَتُنْبِتُ الأَرْوَاحَ مِنْ تَحْتِهَا.

وَيَا شَجَاعَةَ العَدَالَةِ… 

الَّتِي لا تَظْلِمُ،بَلْ تُنْصِفُ حَتَّى دَمْعَ الظَّالِمِ إِنْ تَابَ.
قَلْبِي لَكَ…لا يَطْلُبُ جَنَّةً، ولا يَهْرُبُ مِنْ نَارٍ،ولا يَرْتَجِي كَرَامَةً، 

ولا يَتَزَيَّنُ بِأَمَلٍ،

قَلْبِي لَكَ لِأَنَّكَ أَنْتَ،وَلِأَنَّكَ أَوَّلٌ، لا قَبْلَكَ شَيْءٌ،وَآخِرٌ،

 لا بَعْدَكَ شَيْءٌ،وَظَاهِرٌ، لا يُدْرِكُهُ البَصَرُ،وَبَاطِنٌ، لا يُحِيطُ بِهِ خَيَالٌ.
قَلْبِي لَكَ،لِأَنَّكَ الغَايَةُ الَّتِي لا تُـمَلُّ،

وَالقُرْبُ الَّذِي لا يُشْبَعُ،وَالعِشْقُ الَّذِي لا يُطْفَأُ.

@جميع الحقوق محفوظة