في ذكرى النبي شعيب عليه السلام


بقلم الأستاذ الشيخ فاروق غانم خداج 


في ذكرى النبي شعيب عليه السلام (  ٢٥ حتى ٢٨ نيسان من كل عام):

 دعوة إلى العالم  للاقتداء برسول الخير والحق والمساواة   


ليست قصة  النبي شعيب عليه السلام قصة من الماضي نقرأها بغرض السرد والإخبار ، بل هي حكاية حيّة، مليئة بالمعاني التي يحتاجها الإنسان في كل زمان ومكان. 
فالنبي شعيب عليه السلام، بُعث لمجتمعه معلناً كلمة الحق والضمير ، وكان مصلحاً اجتماعياً في زمن قلّ مصلحوه، ونادى بالعدل دون اكثراث لردة فعلِ أكثريةٍ حوله لا تولي للفضائل أدنى اهتمام.


 النبي شعيب عليه السلام أُرسل إلى قوم مدين، وهم قوم عرفوا بالغش والتطفيف في الكيل والميزان، كانوا يسرقون الناس ليس بالسلاح، بل بالخداع، يبيعون ويشترون، لكنهم يأخذون لصالحهم الفرْقَ بهدوء، والنبي شعيب عليه السلام لم يسكت، لم يتغافل، بل واجههم بكلمات واضحة:
"أوفوا الكيل والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين."

هكذا كانت دعوته : صدقٌ في المعاملة، عدلٌ في التجارة، وإخلاص في العبادة، لم يطلب منهم سوى أن يكونوا بشراً بحق .
 لكن ردّ قومه كان الرفض والسخرية، قالوا له باستهزاء: "أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء؟" وكأنهم يرون في الصلاة ذنباً، وفي الأخلاق عبئاً، وفي الصدق تقييداً لحريتهم !

ورغم ذلك، لم يتوقف النبي شعيب عليه السلام عن الكلام،  ظل يُذكّر ويحذّر، بإصرار الأنبياء ولين الحكماء، وعندما طغى الظلم، وجاء أمر الله، زلزلت الأرض تحت أقدامهم ، وسقط كل شيء وبقيت كلمة الحق.    لقد زال قوم مدين ومظالمهم جميعاً، وبقيت رسالة النبي شعيب عليه السلام تنبض بالحياة حتى اليوم.

وفي زمننا هذا ، حين نرى الغش في الأسواق، والكذب في الكلمات، والظلم في العلاقات، واستغلال المناصب؛ وخاصة الدينية لإعلاء شأن الذات، وتفاخر أولياء أمور الناس بالمقتنيات والعلاقات مع أصحاب السلطة، والاستمتاع بلقبٍ على حساب مسلكٍ، نحتاج إلى كلمات نبينا شعيب عليه السلام، لنفهم أن هناك خطأً كبيراً في مسلكنا يخالف ما دعانا إليه، نحتاج أن نستعيد نداءه عليه السلام : "يا قوم، أوفوا بالحق، لا تبخسوا الناس، ولا تخدعوا أنفسكم قبل أن تخدعوا غيركم."
 أن تكون صادقاً اليوم، هو أن تمشي على خُطى نبي، وأن لا تتعصب لدينك- على المنابر وفي الإعلام ـ على حساب دين غيرك، وأنت تعلم أننا جميعاً خلق الله، وهو أعلم بحالنا، وله - سبحانه-  في خلقه شؤون، أن تزن معاملاتك بميزان العدل،  وأن تُعلن للعالم أنك ما زلت تؤمن بأن الخير ممكن، وأن أهل الخير موجودون رغم قلتهم، أن ترفض الغش، ولو كان شائعاً، وأن لا تقول إن فلاناً مخالف للأصول، فيمكنني أن أخالف، وأن تُحيي صوت النبي شعيب عليه السلام، في زمنٍ صارت فيه الأصوات الصادقة نادرة. 

ختاماً، لكي نحمل رسالة النبي شعيب عليه السلام بأمانة وإخلاص، نحن بحاجة إلى أن نكون بشراً لا يرضون بالظلم ، ولا يخافون من قول الحقيقة، ولا ينسون أن لكل شيء وزناً، حتى الكلمات