نُقْطَةٌ 🍂

الكاتب عماد أ. الاعور


“ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلْأَكْرَمُ، ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ، 

عَلَّمَ ٱلْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ”

وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَلَمُ؟

هُوَ رَمْزُ ٱلتَّجَلِّي، وَسِرُّ ٱلتَّدْوِينِ، 

وَخَطُّ ٱلْأَمْرِ عَلَىٰ وَجْهِ ٱلْوُجُودِ.
مَا ٱلْأَهَمُّ؟ أَٱلْقَلَمُ؟ أَمِ ٱلْمِدَادُ؟ أَمِ ٱلْوَرَقُ؟

بَلْ أَيْنَ تَكْمُنُ ٱلْأَهَمِّيَّةُ؟

فِي ٱلْأَدَاةِ؟ أَمْ فِي ٱلْقَصْدِ؟ أَمْ فِي ٱلنُّورِ ٱلْجَارِي بَيْنَهُمَا؟

لَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ يَسْتَقِلُّ بِٱلْمَقَامِ،

حَتَّىٰ يَبْلُغَ نُقْطَةَ ٱلِٱلْتِحَامِ: «كُنْ»،

حَيْثُ تَلْتَقِي ٱلْإِرَادَةُ بِٱلْأَمْرِ،

وَيَتَمَاهَى ٱلْعِلْمُ بِٱلْوُجُودِ،

وَيَشْتَبِكُ ٱلْوَحْيُ بِٱلْكَيْنُونَةِ.
لَيْسَ ٱلْقَلَمُ فِي ذَاتِهِ،

وَلَا ٱلْمِدَادُ بِمَا فِيهِ،

وَلَا ٱلْوَرَقُ بِمَا يَحْمِلُهُ،

بَلِ  ٱلنُّقْطَةُ…

نُقْطَةُ ٱلاتِّصَالِ بَيْنَ «هُوَ» وَ«أَنَا»،

حَيْثُ يَتَّحِدُ ٱلْفَاعِلُ بِٱلْمَفْعُولِ،

وَتَنْدَمِجُ ٱلْأَدَاةُ بِٱلْغَايَةِ،

وَتَنْصَهِرُ ٱلثُّلَاثِيَّةُ فِي وَحْدَانِيَّةِ ٱلْإِشْرَاقِ.
فِي كُلِّ ثُلَاثِيَّةٍ نُقْطَةُ ٱلِٱنْبِثَاقِ،

وَفِي كُلِّ نُقْطَةٍ مُسْتَوْدَعُ سِرٍّ،

وَفِي كُلِّ سِرٍّ بَذْرَةُ خَلْقٍ،

وَفِي كُلِّ خَلْقٍ عَوْدٌ إِلَى ٱلْأَصْلِ ٱلْبَهِيِّ،

إِلَى ٱلْمَبْدَأ ٱلْأَوَّلِ: نُقْطَةُ ٱلنُّورِ.
نُقْطَةٌ لَا تُرَىٰ بِٱلْعَيْنِ،

وَلَٰكِنَّهَا تُبْصَرُ بِٱلْبَصِيرَةِ،

وَلَا تُـمْسَكُ بِٱلْيَدِ،

وَلَٰكِنَّهَا تُدْرَكُ حِينَ يَلْتَقِي ٱلْقَلْبُ بِٱلْحَقِّ،

وَٱلْعَقْلُ بِٱلتَّسْلِيمِ،

وَٱلرُّوحُ بِٱلْمَعْنَى ٱلْمُطْلَقِ.
يَا ٱللَّهُ، يَا مُبْدِعَ ٱلنُّورِ،

يَا مَنْ جَعَلْتَ ٱلنُّورَ قَبْلَ ٱلْقَلَمِ،

وَٱلْقَلَمَ قَبْلَ ٱلْمِدَادِ،

وَٱلْمِدَادَ قَبْلَ ٱلْكَلِمَةِ،

وَجَعَلْتَ كُلَّ ذَٰلِكَ فَيْضًا مِنْ «كُنْ»،

فَصَارَ «كُنْ» كَيْنُونَةً جَامِعَةً بَيْنَ ٱلْعِلْمِ وَٱلْإِرَادَةِ وَٱلْقُدْرَةِ.
فِي نُقْطَةٍ وَاحِدَةٍ جَمَعْتَ ٱلْأَزْمِنَةَ وَٱلْأَمْكِنَةَ،

كَأَنَّكَ خَطَطْتَ ٱلْوُجُودَ بِمِدَادِ نُورٍ لَا يَنْفَدُ،

كَأَنَّ كُلَّ ٱلْكَائِنَاتِ حُرُوفٌ فِي كِتَابٍ لَا يُمْحَىٰ،صَفَحَاتُهُ ٱلسَّمَاوَاتُ،

وَسُطُورُهُ ٱلْأَرْضُ،وَمَعْنَاهُ هُوَ: «أَنْتَ».
لَيْسَتِ ٱلنُّقْطَةُ ثُقْبًا أَسْوَدَ،

بَلْ كَثَافَةُ نُورٍ أَصْلُهُ مِنْ قُدْسِكَ،

ٱخْتَرَقَ عَالَمَ ٱلظِّلِّ لِيَكُونَ دَلِيلًا،

فَلَمَّا زَاغَتِ ٱلْأَبْصَارُ، 

وَبَهَتَتِ ٱلنُّفُوسُ،

ظَنَنَّا ٱلنُّورَ عَتْمَةً،وَٱلسِّرَّ غِيَابًا،وَٱلْوَصْلَ ٱنْقِطَاعًا.
فَيَا مَنْ لَا يُرَدُّ مَنْ قَصَدَكَ،

وَلَا يُخَيَّبُ مَنْ لَجَأَ إِلَيْكَ،

وَلَا يُضَامُ مَنْ وَثِقَ بِنُورِكَ،

ٱرْفَعْنَا إِلَيْكَ بِحَقِيقَةِ ٱلْفَقْرِ إِلَيْكَ،

وَٱنْهَضْ بِنَا مِنْ وَهْمِ ٱلْكِفَايَةِ بِأَنْفُسِنَا،

فَلَسْنَا بِقَائِمِينَ بِذَوَاتِنَا،

وَلَا بِمُسْتَقِلِّينَ بِعُقُولِنَا،

وَلَا بِمُهْتَدِينَ إِلَّا بِكَ،

 وَإِلَيْكَ، وَبِكَ وَحْدَكَ.
وَلَا تَكِلْنَا إِلَىٰ أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ،

وَلَا إِلَىٰ ظُنُونٍ تَأْخُذُنَا مِنْ نُورِكَ،

وَلَا إِلَىٰ مَعَارِفَ تُضِلُّنَا عَنْ وَجْهِكَ،

وَلَا إِلَىٰ بَرِيقٍ مِنْ وَهْمٍ ظَنَنَّاهُ إِشْرَاقًا.
بَلِ ٱجْعَلْ لَنَا مِنْ نُقْطَةِ ٱلسِّرِّ إِشْرَاقًا لَا يَنْطَفِئُ،

وَمِنْ نُقْطَةِ «كُنْ» ٱنْبِثَاقًا لَا يَنْتَهِي،

وَمِنْ نُورِكَ ٱلْمُطْلَقِ دَلِيلًا نَسِيرُ بِهِ،

فَنَصِلَ، وَنَشْهَدَ، وَنَذُوبَ فِي «هُوَ»،

بِلَا تَفْرِقَةٍ، وَلَا وَهْمٍ،بَلْ بِكَ، 

وَفِيكَ، وَإِلَيْكَ،يَا نُقْطَةَ ٱلْبَدْءِ، يَا مَدَارَ ٱلْكُلِّ، يَا مُنْتَهَى ٱلسِّرِّ.


@جميع الحقوق محفوظة