
الكاتبة والباحثة
أ. إيمان أ[و شاهين يوسف
الإنسان ليس ما تراه في المرآة. المرآة كاذبة تُريك حدودك الخارجية، ولا تريك ما يتسرّب من بين تلك الحدود.
فالجسد جدارٌ من الطين المتألق، أقامته الطبيعة لتخفي وراءه بحراً من الظلال. ذلك البحر هو أنت.
لا كما تعرِف نفسك، بل كما تتوزع فيك الأرواح التي مرَّت بك. في أعماق هذا البحر، تَرْقُد آلاف الذوات التي سَكَنَت هذا الجدارمنذ أن وُجِدت ، وربما قبل وجودك. ذوات تبكي، وأخرى كانت تحب، وثالثة كانت تحترق بشهوة التملك والإكتشاف.
كل واحدة منها تركت أثرها فيك، ثمّ نامت في العتمة بانتظار لحظة الدفء المحركة، كما تتحرك إرادة الحياة في أخدار كائناتها النائمة لتنبعث من جديد.
وللدفء مواسم لا تشبه مواسم الأرض، لأن المصدرمختلف.
فيأتي أحياناً بشذى رائحة، أو في وجه مرسوم على صفحة الذاكرة،أو في نغمة أطربت روحك ومرّت بك مرور الريح. حينها تتفتق شقوق في الجدار، وتطل من خلاله إحدى تلك الذوات. تَلِحُّ عليك تريد ان تعود، لتُعيد الى المسرح القديم دورها المنسي.
لكن الصدمة ستكون عظيمة. فالجدار قد تغيَّر. والأرض تغيَّرت.
وصاحب الجدار نفسه لم يعُد كما كان. الذات القديمة تنكسر كما تنكسر الموجة على صخرة لا تعرفها. ومعها ينكسر الجدار.
وحين يتكسر الجدار فإنه لا ينهار وحده، بل يوقظ في أعماقه جموعاً أخرى من الذوات النائمة.
فتتدافع الأصوات، ويغدو داخل الجدار ساحة حرب صامتة، يتكلم فيها الطفل والعاشق والحكيم والمجنون في لحظة واحدة، وتغدو لا تدري من منهم أنت ولا من فيهم يعيش الآن في جسدك.
هذه هي مأساة الإنسان، لأنه ليس كائناً واحداً له جسد، بل جدار يخبئ خلفه تحولات روحه.
هذه التحولات التي خطّها قلم الزمان وزركشت الوانها يد القدر، لتصبح ظلالا شفافة في صوتها صمت وشغف.
ومن لا يسمع أصوات ظلاله، سيظل عبدا لصورته. لكن من ينزل الى أعماقه، حيث ترقد الذوات القديمة في صمتها العظيم، سيعرف أن الجدار لم يكن سجناً، بل كان بابا من حجر، ومن خلفه يبدأ الطريق نحو الحرية. ..
@جميع الحقوق محفوظة