من الطاعون الى كورونا!! كيف يرى الأدب تأثير الأزمات وتأثير الإيمان على المأزوم..

نهى عبد الصمد - 3-7-2021

في رواية #الطاعون
للكاتب الفرنسي
#ألبير_كامو
Albert Camus

 استوقفني مشهد ما حصل في مرحلة متقدمة من تعاطي مدينة وهران الجزائرية مع جائحة الطاعون التي اعتمدها الكاتب رمزا للحرب العالمية وتفاصيلها المتنوعة.
  كانت المدينة قد أُقفلت، اقفالاً كاملاً.  المتواجدون من سكانها الأصليين بالإضافة الى من قدم في زيارة عمل أو استجمام.

 وبقي، جميعهم، عالقون في الحجر الذي لا يحتمل التراخي. ممنوع دخول أو مغادرة أي شخص، كائنا من كان. وكانت المشاركة في التعامل مع الأزمة الطارئة: شؤون المصابين، دفن الضحايا.  تنظيم الخدمات في الظروف الطارئة وتأمين الحاجات للجميع. التعريف بوسائل الوقاية وإيصالها إلى الجميع..كل ذلك تحت إشراف فريق يضم  من لديه الإمكانية أو الرغبة في التفاعل .
الدكتور "ريو" في مجلس الادارة. هو إنسان متفان في عمله بطبيعته، وفي الظرف الراهن اصبح قائدا في فريق العمل الطوعي لإدارة الأزمة. مُنعت زوجته وأبناؤه من دخول المدينة بسبب الحجر مما أعطاه وقتا استثنائيا، يرافقه الصحفي "رامبير" الذي دخل المدينة من أجل شأن طارئ و لم يتمكن من المغادرة للالتحاق بحبيبته المنتظرة، فانصاع الى طبيعته الإيجابية ورغبته في التعاون مع الآخرين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بدلا من الغرق في الكسل والفراع.
قاضي التحقيق والكاهن بشخصيتين صارمتين وهمة عالية يكملان فريق العمل.
  كما يحصل الآن في مختلف بقاع الأرض، يمر الفيروس بعدة مراحل، يشتد فتكا او يضعف قليلا بينما لا يترك فرصة للمتابعين كي يلتقطوا الأنفاس.


ينتبهون الي أهمية اللقاح المضاد. يتم العمل على الجرعات المطورة ويدخلون مرحلة الاختبار، يختارون ابن القاضي لتجربة اللقاح عليه كونه المصاب الأكثر أهمية في المدينة. بعد انتظار تفاعل الفيروس مع جسد اليافع لساعات، يكابد خلالها آلاما مبرحة تتسبب في انتفاضات جسده المثقل بالحرارة وتضخم غدده حتى كاد يصبح كائنا آخر. ساعات من الانتظار والرجاء؛ الرجاء بان ينجح اللقاح في وضع حد للفوضى العارمة التي أغرقت المدينة، لغياب منتظري العودة الى مساكنهم، لاحتجاز العالقين داخل مدينة الطاعون، وهران،لألم القاضي بسبب اصابة ابنه بالطاعون واحتمال فقدانه...الرجاء أن تعود حياة الجميع الى مسار افتقدته منذ احتل الفيروس مساحة الرؤية متدخلا بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة حتى انه لم يترك، لأي كان، شيئا من الخيار.
مرت الساعات ثقيلة ما بين تعافي الصغير وتراجع الحالة، و في لحظة غير منتظرة أسقط في يد الجميع، ينتفض الجسد الغض انتفاضات لا يحتملها من يشاهده ويتفاءل ب: لعل، و عسى، ثم يغرق في عرق غزير وصفرة غامرة، وتتلاشى روحه تاركة جسدا هامدا يعلن فشل التجربة وحتمية العودة الى نقطة الصفر. بحثا عن سبب فشل اللقاح، خاصة ما يتعلق بتطوير الفيروس لنفسه ليكون عصيا على المصل الجديد.
يفقد الطبيب صبره أمام تلك الحقيقة، يرمي ما كان في يده بحركة عصبية ويعلن بقهره العاجز:
_ أرفض الإيمان بإله يقبل ان يعاني الأطفال مثل هذا العذاب.
يترك المشهد ويخرج الى الشرفة. يلحق الكاهن بالطبيب وقد تفاعلت الانطباعات في روحه وانعكست على وجهه تعبيرا عميقا يشمله في جملة بسيطة:
- الآن فهمت ماتعنيه نعمة الإيمان .
كلاهما على حق، الطبيب يواجه الحالة بعمل وإخلاص ومنطق، وينتظر نتائج على مستوى مناسب لما يقدمه. بينما الكاهن الذي يمثل رسالة الروح وتعاليم الدين، يفهم ويدرك ان حياتنا تضم جوانب لا تفسرها الحسابات ولا يحكمها المنطق السطحي، لذلك تبقى عصية على الفهم من خلال رغباتنا وتطلعاتنا، أو من خلال منظومة القوانين العلمانية البحتة، لذلك لا يتقن التعايش معها إلا من وازن بين وجوده كروح مع وجوده كجسد.
في واقعنا مع كورونا، استذكر عبقرية ألبير كامو في تصوير وتحليل واقع تسوده حالة مرض مقيم، هشاشة وضع الانسان امام نظام الكون، وضرورة التوقف مع النفس كأفراد، ومناقشة الوضع العام في المجتمع، بهدف إعادة المسار الى صراطه المستقيم.
في الرواية معلومة تاريخية تقول عن اسكندرية اليونان ان الطاعون أفنى سكانها جميعا، فلم يبقَ منهم الا حفار القبور الذي كان يتعامل عن قرب مع أجداث الضحايا بلا وسائل وقاية ولا تحفظ؛ أعتقد ان شركات المواد المساعدة في العالم الحالي تدرك تماما أنها تعمل على اجتذاب الربح أكثر ما تهتم بصحة الإنسان، على أهمية منتجاتها، وتدرك استثمار حيرة الإنسان الذي لم يعد يعرف الشعرة التي تفصل الحقيقة عن الوهم، والضرورة الصحية عن سطوة المتنفذين.
نرجو من الله السلامة للجمبع، والوقاية من كل مكروه.