من نوادر العرب -  قصة " إنَّ "

الكاتبة والباحثة 

الاستاذة إيمان أبو شاهين يوسف

تتردد على مسامعنا دائماً الجملة التي تقول: "الموضوع فيه إنَّ" ثمَّ نردده كلما شعرنا بالشك او عدم اليقين في موضوع ما، دون ان ندري السبب الذي دفع الى هذا القول. 

فما السرُّ الذي يخفيه هذا القول، وما قصّة هذه ال “إنَّ "؟؟؟ 

يحكى أنَّه كان يعيش في مدينة حلب أميرٌ شجاع يتميّز بالفطنة والذكاء، وكان يدعى " علي بن منقذ “. 

هذا الأمير كان يتبع للملك " محمود بن مرداس "، وقد وقع خلافٌ بينهما، فشعر الأمير بان الملك سيقتله، لذا هرب منه الى دمشق. علم الملك بهروب الأمير من قبضته، فطلب من كاتبه أن يكتب له رسالة يطمئنه فيها على موقعه ومعزته في قلب الملك، ويستدعيه للعودة الى حلب. كمعظم كتاب الملوك فقد كان هذا الكاتب شديد الذكاء، ضليع في اللغة وجمال الأسلوب. 

وقد كان يحسن صياغة الرسائل التي ترسل من الملوك او اليهم. بل واكثر من ذلك فأحياناً كثيرة كان الكتاب يصيرون ملوكاً بعد موت الملك. 

بدأ الكاتب في صياغة الرسالة، لكنه كان يعلم في قرارة نفسه نيّة الملك الحقيقية ويشعر بأنه ينوي الغدر بالأمير. 

لذا كتب الرسالة تماماً كما أمر الملك وبدت وكأنها رسالة صادقة وطبيعية، لكنّه كتب في نهايتها: "إنَّ شاء الله تعالى " عندما  قرأ الأمير الرسالة، إستوقفته كلمة " إنَّ "، لأنه  يثق جيداً بقدرة الكاتب ومهارته في اللغة، فأدرك فوراً وهو الذكي الحذق بأن الكاتب يحذره من شيء ما، لذا شدَّد النون في إنَّ، وتذكّر قوله تعالى: إنَّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ". 

ردّ الأمير برسالة شكر للملك مؤكداً على ثقته الشديدة به ومعزّته الخاصة له. وختم الرسالة بهذه العبارة: " إنَّا الخادمُ المقرُّ بالأنعام". 

وذلك مع تشديد النون. قرأ الكاتب الرسالة ولما رأى تشديد النون في إنَّا، أيقن ان الأمير يبلِّغه بانه فهم تحذيره المبطن وأنه يريد بهذا الرد ان يقول له:’ "إنّا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها". 

ومنذ ذلك الوقت أصبحت " إنَّ" تستعمل للدلالة  على الشك او الحذر، ويشار لذلك بالقول:  " في الموضوع  إنَّ "  
  

@ جميع الحقوق محفوظة                                                         
المصدر: من كتاب: المثل السائر في ادب الكاتب والشاعر  العلامة ضياء الدين ابن الاثير