تطلع إفريقيا إلى تمثيل دائم في مجلس الأمن


د.جميلة مرابط 

رئيسة مجلس الباحثات المتعدد التخصصات

المملكة المغرب وتوافق إيزولويني: نحو تجسيد تمثيلية افريقية دائمة وفعالة في مجلس الأمن


شهدت القارة الإفريقية منذ بداية الألفية الجديدة حراكًا دبلوماسيًا متناميًا للدفاع عن مصالحها داخل منظومة الأمم المتحدة، ولا سيما ما يتعلق بإصلاح مجلس الأمن، بهدف تصحيح اختلالات التمثيلية التاريخية وضمان حضور إفريقي دائم وفعّال في هذا الجهاز المركزي لصنع القرار العالمي. 

في هذا السياق، برز "توافق إيزولويني" و"إجماع سرت" كإطارين مرجعيين لموقف موحد للدول الإفريقية، مطالبين بمقعدين دائمين لإفريقيا في مجلس الأمن مع حق الفيتو، بالإضافة إلى زيادة عدد المقاعد غير الدائمة.

وتوافق إيزولويني (Ezulwini Consensus) هو موقف موحد اعتمدته الاتحاد الإفريقي بشأن إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتم تبنيه في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الإفريقي في مدينة إيزولويني بمملكة إسواتيني (سوازيلاند سابقًا) عام 2005. وتضمن مطالب واضحة تتعلق بإصلاح مجلس الأمن، أبرزها تمثيل إفريقيا بمقعدين دائمين بكامل الصلاحيات، بما فيها حق النقض، وخمسة مقاعد غير دائمة.

تعكس هذه المطالب رغبة الدول الإفريقية في إنهاء التهميش التاريخي الذي تعاني منه داخل بنية مجلس الأمن، رغم أنها تمثل أكثر من ربع عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وتشكل مواضيعها نسبة معتبرة من أجندة المجلس.وبناءً على روح توافق إيزولويني، والذي يطالب بتمثيل عادل وفعّال لإفريقيا داخل مجلس الأمن، فإن ترشيح المغرب كعضو دائم سيكون تجسيدًا عمليًا لهذا المطلب، وضمانًا لتمثيل إفريقيا بصوت عقلاني، تنموي، ومسؤول. وهو ما تعكسه ديناميته الدبلوماسية المتجددة، التي تسعى إلى تعزيز العمق الإفريقي للمملكة، وترسيخ مكانتها كفاعل محوري في القارة.

ويتجلى ذلك في دعمه الصريح لتوافق إيزولويني، وفي أدواره المتقدمة في عدد من القضايا الأمنية والتنموية التي تشكل أولوية على أجندة السلم والأمن الإفريقي والدولي.فقد تميزت الدبلوماسية المغربية في العقدين الأخيرين بانخراطها النشيط في قضايا القارة الإفريقية، مستفيد من عودته إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 لتعزيز حضوره الإقليمي والدولي.

وقد عبّر المغرب، في عدة مناسبات، عن دعمه الواضح لتوافق إيزولويني، مؤكداً ضرورة إصلاح مجلس الأمن بشكل يضمن تمثيلاً عادلاً ومتوازناً، يأخذ بعين الاعتبار التحولات الجيوسياسية، ومكانة إفريقيا في النظام الدولي الجديد.ويعكس هذا الموقف التزام المغرب بمبدأ التضامن الإفريقي، وسعيه لتعزيز الصوت الجماعي للقارة داخل المنظمات الأممية.

كما يتجلى انخراطه العملي في دوره داخل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، وفي وساطاته النشطة في عدد من النزاعات، مثل ليبيا والساحل وإفريقيا الوسطى، بالإضافة إلى مبادراته التنموية المتعددة التي تخدم الاستقرار الإفريقي.رغم وضوح الرؤية الإفريقية كما عبر عنها توافق إيزولويني، إلا أن تجسيد هذه المطالب على أرض الواقع يواجه تحديات كبرى، أهمها الانقسامات داخلية بين الدول الإفريقية حول من سيمثل القارة في المقاعد الدائمة، وضغوط التوازنات الجيوسياسية بين القوى الكبرى داخل الجمعية العامة وخارجها.

غير أن المغرب، بفضل موقعه الجيوسياسي، وخطابه المتوازن، وتحالفاته متعددة الأبعاد، يمكن أن يلعب دوراً محورياً في بناء توافقات داخلية ودفع المفاوضات الأممية نحو صيغة أكثر عدالة وشمولاً. ويُمكن للمملكة، من خلال ما راكمته من مصداقية في ملفات التنمية المستدامة والأمن الطاقي والهجرة، أن تُعزز مرافعة إفريقيا ككتلة موحدة تطالب بإصلاح عادل يكرّس حضورها في مراكز القرار الأممية.

خاتماً:

إن تطلع إفريقيا إلى تمثيل دائم وفعّال في مجلس الأمن ليس فقط مطلباً مشروعاً، بل ضرورة استراتيجية لإرساء نظام دولي أكثر توازنًا وعدالة.ويُشكل دعم المغرب لتوافق إيزولويني دليلًا على نضج دبلوماسيته الإفريقية، وعلى إدراكه لأهمية العمل الجماعي في تعزيز الحضور القاري. ومع تنامي التحديات العالمية، يبقى تحقيق إصلاح مجلس الأمن رهينًا بمدى قدرة الدول الإفريقية على الحفاظ على وحدة موقفها، واستثمار تحالفاتها بذكاء، من أجل انتزاع موقعها المستحق في منظومة الحكم العالمي.

@جميع الحقوق محفوظة