بلدة عرمان بريف السويداء ..آثار تعود للألف الثاني قبل الميلاد

سهيل حاطوم

تمتاز بلدة عرمان الواقعة على بعد 35 كم إلى الجنوب الشرقي من مدينة السويداء بآثارها التي تعود للألف الثاني قبل الميلاد وببيوتها القديمة المبنية بالحجارة البازلتية المزوقة والمنقوش عليها كتابات مختلفة تحكي قصة حضارات غابرة تركت آثارها في هذه البلدة التي يلتحم فيها السهل بالجبل مع حكايا التخوم ذات الأشجار المتشابكة ضمن تشكيلة جغرافية فريدة توحدها قساوة المناخ.
 وتسمية عرمان بحسب بعض المؤرخين مستقاة من مصدر العرمة أي التلة أو الهضبة بينما تذكر بعض الروايات أن عرمان سميت قديماً بـ عرمال وهي كلمة تطلق على الرجل القوي شديد البأس ذي القامة الطويلة بدلاً من عملاق وذلك بعد أن قطنها في قديم الزمان ثلاثة رجال أقوياء أشداء ذوي قامات طويلة من فرسان العرب القدامى فيما يفسر مؤرخون آخرون أن كلمة عرمال تعني كثرة المال ومع مرور الأيام ولسهولة لفظها أطلق عليها اسم عرمان وهناك من يقول إن عرمان جمعها عرمرم وهو الجيش القوي والكثير العدد.


 وبحسب دائرة آثار السويداء فإن عرمان تعد من القرى الأثرية القديمة في المحافظة والتي سكنها الغساسنة خلال فترة ما قبل الإسلام بدليل الآثار العربية الرومانية الموجودة فيها ثم سكنت فيها أقوام من عرب الأردن ونجد حتى مجيء سكانها الحاليين من جبل لبنان عام 1846م .

ومن أبرز الأوابد الأثرية التي مازالت شاهدة على حضارة المنطقة برج عرمان الذي هو عبارة عن برج طابقي مربع الشكل تم تشييده عام 272 ميلادية وقد وصفه الفرنسي ماسكل عندما زاره عام 1936 بأنه برج عال جدا يشكل مع برج ملح الأثري انموذجاً للأبراج المشيدة في العصر الروماني على امتداد خط حدود الإمبراطورية الرومانية مع منطقة البادية السورية والتي منها كانت تراقب قوافل تجارة الملح القادمة من شرق الأردن مارة بهذه الطريق القريبة من خط الأبراج المذكورة والتي لا تزال آثارها باقية حتى اليوم.

 وقد بني برج عرمان لرصد تحركات العدو في الصحراء وتقدمهم وإعطاء المعلومات عنهم بالاتصال مع القصور والقلاع الأخرى في صلخد وغيرها وهو صرح يرتفع عما حوله من مبان ويعد واحداً من الأبراج النادرة التي ما زالت على حالها في منطقة جنوب سورية ويتمتع بمزايا عديدة جعلته مقصداً مهماً للسياح والباحثين عن تاريخ المنطقة. وقام الباحث الفرنسي بوزو  عام 1985 بإعداد خارطة للطرق الرومانية القديمة بجبل العرب والمناطق المحيطة به يتضح عليها طرق رومانية تتجه من مدينة صلخد إلى بلدة عرمان ثم تكمل إلى بلدة ملح وبعدها إلى دير النصراني ثم قرية مجدل الشور.

 و معظم النقوش الموجودة في عرمان جلبت من الخرب والقرى المجاورة وهي عوس والمجدل والكارس وعيون لذا يلاحظ تنوعها كما ترجمت جميعها الأمر الذي ساهم في التعرف على أسماء القرى التي جلبت منها ومن أهم تلك النقوش نقش فيه نص يعود لعام 324م وجد على أحد الحجارة المجلوبة من قرية عوس وهو مبني في جدار حديث قرب مركز القرية تؤكد ترجمته بأن أهالي عرمان جلبوا الحجارة الكثيرة من عوس ومعظمها تحمل نقوشاً كتابية وكلها تذكر بإشادة مبان عامة هامة فخمة ما يدل على أن عوس كانت الأهم في المنطقة خلال العصر القديم , وهناك نص آخر مؤرخ في عام 372م يتحدث عن تشييد برجين ويذكر أسماء في هذا النص وهم ناصر بن حنين ومعن وحطيم. 

و يبين الباحث في الآثار حسن حاطوم أن بلدة عرمان تمتاز بوجود آبار وينابيع بداخلها وحولها منذ القديم وعندما يطل المرء على البلدة من جهة الغرب يصادفه على اليمين تل يطلق عليه اسم تل نوف وسمي كذلك نسبة إلى أميرة اسمها نوف ابنة أحد ملوك العرب الذين استوطنوا في تلك المنطقة وكان هذا الملك يحبها حباً جماً فبنى لها قصرا على هذا التل, مشيراً إلى أن عرمان تضم عدداً من الاوابد الأثرية العائدة للعصرين الروماني والبيزنطي حيث تم بناء الكثير من المنازل والكنائس في العصر البيزنطي اللاحق الذي بدأ في الثلث الأول من القرن الرابع الميلادي وجرى العثور على كتابات يونانية عديدة جاء على ذكرها الباحث بركهاردت خلال رحلاته بين عامي 1810-1812م. 

ويوضح حاطوم أنه بني في عرمان خلال العصر البيزنطي الذي استمر من القرن الرابع وحتى السابع الميلادي عدد كبير من الأوابد الأثرية التي أعاد سكان المنطقة استخدام حجارتها في بناء العديد من منازلهم خلال العهود التاريخية المختلفة ومن بين الآثار البارزة في عرمان كنيسة القديس إلياس الحي التي بنيت عام 668 ميلادية في بدايات العصر الأموي وعثر فيها على حجر بازلتي أعيد استخدامه لاحقاً وفوقه كتابة يونانية تقول ترجمتها إن سكان بلدة عرمان يقدمون التهاني إلى الامبراطور البيزنطي هرقل عام 611 ميلادية بمناسبة انتصاره على أعدائه إضافة لكتابة يونانية تعود إلى عام 289 ميلادية وأخرى لعام 330 ميلادية وثالثة تعود إلى العصر الروماني الوثني وترجمتها تقول حظ سعيد حيث استخدمت هذه العبارة في معظم أنحاء سورية إلى جانب كتابة ترجع لعام 387 ميلادية. 

ويلفت حاطوم إلى وجود ثلاث برك أثرية كبيرة وواسعة في الجهتين الشمالية والجنوبية من بلدة عرمان و تسمى بالمتخ العادلي نسبة إلى الملك العادل إضافة إلى متخ صلخد الذي يقع غربي البلدة حيث تدل تلك البرك على الاستيطان المكثف في المنطقة خلال الفترتين الرومانية والبيزنطية.

 ويضيف حاطوم ان هناك خربة مجدل الشور الأثرية القديمة التي تقع إلى الجنوب الشرقي من بلدة عرمان وهي موقع قديم كان يحيط بها سور حصين يستند عليه عدد من البيوت المتهدمة والمجددة التي توحي بأن الموقع كان هاماً ويعود إلى العصر النبطي وقد تأكد الاستيطان فيه حتى العصر الأموي وربما حتى القرن التاسع الميلادي ثم استوطنت من جديد حتى العصور الأيوبية والمملوكية في القرن الثاني عشر والرابع عشر الميلادي وتم العثور فيها على عدد كبير من البرك التي تبين أن بناءها كان قديماً. 

ويشير حاطوم إلى أن أصل كلمة المجدل تعود إلى العصر الآرامي كما سبق للعالم اللغوي وادنغتون أن قام بدراسة سبع كتابات يونانية كان مصدرها عرمان وأعيد استخدامها في بناء بعض المنازل الحديثة. يشار إلى أن جبل عرمان المجاور للبلدة يضم بقايا بناء متهدم موجود فوق فوهة تل جفنة الأثري يرجح أنه بقايا قصر أو مصيف للملك الغساني جفنة إضافة لوجود بقايا بيوت متهدمة ومعاصر في جبل عرمان الذي أقيمت فيه اليوم مشروعات زراعية وبساتين مشجرة بالتفاحيات والعنب واللوزيات.