دور المطالعة في حياة الطفل - الجزء الأول


طارق نصر الدين - 1 - 6- 2022

أهمية الكتاب في حياة الطفل، دور المكتبة المدرسية ومكتبة البيت ، دور أمين المكتبة في توجيه الأطفال نحوالمطالعة، الأهداف العامة في سياسة التعليم وأهداف المكتبة المدرسية

 تُولي الأمم والشعوب أهميَّةً قصوى لرعاية وثقافة أطفالها، لأنَّهم يُمثِّلون ثروة البلاد وطموحاتها المستقبليَّة، ويُشاركون في البناء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي فهم الأمل والرصيد.


ويتزايد الاهتمام بالأطفال لتنشئتهم نشأةً سليمة صحيحة، وتهيئة البيئة المُلائمة لذلك، ومن أبسط حقوق الطفل القراءة، واستخدام المواد المكتبيَّة التي تُلبِّي حاجاته وميوله ورغباته، خاصَّةً وقد أصبح هناك مؤلَّفات عديدة تخص الطفل، ولذا بات من الضروري الاهتمام بثقافة الطفل، وتشجيعه للإقبال على القراءة، والكشف عن مواهبه وميوله، وتنمية القدرة اللغويَّة، ومهارة التفكير لديه، وتعويده الاعتماد على الذَّات،مع توفير مصادر المعلومات بما يتناسب مع سِنِّه، وميوله، وتلك مسؤوليَّةٌ تتحمَّلها الأسرة والمدرسة والمجتمع مع بعض.


أهميَّة الكتاب في حياة الطفل 




هنالك من يعتقد أنَّ الطفل لا حاجة به إلى الكتاب إلا بعد دخوله المدرسة وهذا خطأ جسيم، فالطفل الذي يُترك بغير كتابٍ حتَّى سنِّ المدرسة؛ سيواجه صعوبات عديدة في علاقته بالكتاب في المراحل الأولى من عمره، من خلال التناول باليد والملاحظة لخلق الانتباه. ولإتاحة الفرصة أمام الطِّفل لاكتساب هذه الخبرة، يُمكن أن تضع الأم بين يديه أوراقاً من مجلاتٍ أو روايات تحتوي بعض الصُّور لجذب انتباهه، ومع بداية الشَّهر الخامس عشر من عمر الطفل يقول الباحثون ، تبدأ مرحلة الإشارة إلى الصُّور، وهنا تلعب الأم دوراً رئيسيَّاً في هذه المرحلة، فتقوم بتقليب صفحات الكتاب أمام عيني الطفل، ثم تأتِ بعد ذلك مرحلة تسمية الأشياء حتى دون إدراك كامل من الطفل، وتكون مع بداية الشهر الثامن عشر، فيبدأ الطفل في استعمال كلماتٍ تدل على معاني الصُّور، من خلال الإشارة إليها وتسميتها، مثلاً هذا كرسي، وهذه مروحة،وهذا قط .. الخ..



وبعد عامين تبدأ مرحلة حب القصص القصيرة البسيطة، وتمتد إلى سنِّ الثالثة، وفيها يَجب أن يسمع الطفل قصَّةً ترافقها صورة تطبع بذهنه، وهنا يبرز دور الآباء في سعيهم لتعليم أطفالهم، وبعد سنِّ الثالثة تبدأ مرحلة البحث عن المعاني، وتبدو الصُّورة وكأنَّها أشياء حقيقيَّة حيَّة، فقد يمُدُّ يده ليأخذ شيئاً من صورة فنشجعه ونقول هذا الشيء اسمه كذا تناوله.

وما بين العامين الرَّابع والسادس، تبدأ مرحلة مُلاحظة الحروف، ويكون الطفل قد دخل الروضة، فيصبح قادراً على الاشتراك مع غيره من الأطفال في الاستمتاع بالكتاب، ويأخذ في اكتساب القدرة على تفسير الصُّور والتعليق عليها بين الأطفال ، لذلك يُنصح في هذه المرحلة بالاطلاع على الكتب ذات الصور التي تدور مواضيعها حول البيئة والحيوان، بحيث تكون خطوطها ورسومها جميلةً لكي تشُدَّ انتباه الطفل، وهُنا يبرز دور الأسرة في مساعدة أطفالها لاكتساب العادات والاتجاهات الصحيحة للقراءة، مثل التعرُّف على تحليل الكلمات وتركيبها، وفي السادسة والسابعة تؤسّس عادة القراءة، حيث يتلقَّى الطفل معلومات ومعارف جديدة تُسرِّع في نموِّ مُخيلته، وتكون نقطة انطلاقٍ إلى ما هو أشمل وأعمق في عقل الطفل ومخيلته.

ومن سنِّ الثامنة وحتَّى العاشرة يكون الطفل قد تجاوز مرحلة الخيال إلى الواقع، وتكون قصص المُغامرات والحوادث المثيرة جدة له، والرِّحلات وقصص التاريخ، وسير الأبطال، والمعارك، والاختراعات مادَّةً دسمة للأطفال لتخلق وعي وتؤسس للطفل موهبة مزروعة يسعى لها حلم أو عمل يطمح له.

ثم تأتِ مرحلة التوسُّع في القراءة، وتمتد من الحادية عشرة وحتَّى الرَّابعة عشرة، وهي مرحلة تتسم بحساسيتها لأنها بداية سن المراهقة، وفيها يميل الطفل إلى القصص التي تختلط فيها المُغامرة بالعاطفة بسبب التغيرات في فزيلوجية جسمه وهرموناته، وتقترب أجواؤها من المثاليَّة، وتبتعد عن الواقعيَّة بعض الشيء، أمَّا ما بين السادسة عشرة والثامنة عشرة، وهي مرحلة المراهقة والنضوج، فيُنصح بقراءة كتب السيرة الذاتيَّة، والكتب الاجتماعيَّة، والتاريخيَّة، والعاطفيَّة التي تُشبع حاجة الشاب، فضلاً عن الكتب الخاصَّة بالناشئة، والتي تُحرِّض القارئ على التزوُّد بالمعارف المُختلفة، فمن المهم زرع حب الشعر والكتابة والبوح الأدبي ليصعد الطفل ما في داخله من طاقة جنسية في هذا السن إلى طاقة خلاقة تنعكس أدب وفكر وكتابه وشعر ووعي.


أمَّا فيما يخص الكتابة للأطفال، يقول أحد المُهتمين في هذا المجال: "إنَّ الأجدر بمن يضع كتاباً أو قصَّةً للأطفال، أن يدرُس نفسيَّة الطفل في مختلف مراحل عُمُره، وأن يدوِّن بانتباهٍ زائد المُفردات والتعابير التي يستخدمها الأطفال، من أجل المتابعة السيكولوجية، وعلى المؤلِّف أن يُتابع الاكتشافات الحديثة في مُختلف الحقول العلميَّة، وأن يهتم بغلاف الكتاب، ويحرص على أن يكون جذَّاباً وجميلاً لافتاً للانتباه، وأن يستشهد برسم المواقف المعبِّرة عن القصَّة، فالقصَّة وسيلةٌ تربويَّة ناجحة، تبعاً لمقدرتها على غرس القيم من خلال المُتعة التي ينشدها الطفل".  وهُناك نوعان من القيم: 

  • قيمٌ صريحة مباشرة: يطرحها الكاتب بشكلٍ مُباشر؛ كأن يحثَّ الطفل على التعاون والخير والصدق وحب الخير للناس.
  • قيمٌ ضمنيَّة غير مباشرة: يطرحها الكاتب بشكلٍ غير مُباشر، بحيث يدعو الطفل إلى القيم الحميدة بدون أن يبدو الأمر صريحاً، بل يستنبطه الطفل ويستنتج أن الخير هو الصحيح وأن العمل هو النافع وأن الصدق هو المنجي.

 


إنَّ القصَّص الفنيَّة قادرة على إقناع الطفل، وعلى تقديم الفائدة له، إذا ما توفَّرت فيها المواضيع المُلائمة لسنِّه، والتي تُثير خياله وتلامس وجدانه بلغة سلسه.


دور المكتبة المدرسيَّة، ومكتبة البيت 



عندما نُدرك الدور المُهم الذي يلعبه الكتاب في حياة الطفل، فإنَّنا ندرك أهميَّة المكتبة المتخصَّصة الموجَّهة نحو الطفولة، لتلبية احتياجاتها المُتتالية خلال نمو شخصيَّته، كما نُدرك أنَّ الوظيفة التربويَّة لمكتبة الأطفال ليست مُجرَّد جزء مكمِّل للدِّراسة، أو ترفيهي لا بل هي أساسٌ جوهري من كيانها التوعوي، ويُحقِّق أهدافها التعليمية، خصوصاً إذا ما كانت المكتبة مُجهَّزة بتقنيَّاتٍ متطوِّرة عصرية من انترنت وكتب حديثة تسعى لتحصين وتنوير الأطفال، فتكون رافداً يُعينهم على اكتساب المعلومات والخبرات.

وتُعتبر مكتبة الطفل من أهم الوسائل التي تُساعد على تزويد الطفل بالمعلومات والمهارات، وإنَّ الاستخدام الجيِّد والفعَّال لكُلِّ الأشكال الأخرى من المكتبات التي سوف يتفاعل معها الطفل، تعتمدُ على أوَّل مكتبة يُقابلها الفرد في حياته، وهي مكتبة الأطفال.

ويُمكن أن نُقسِّم كتب الأطفال إلى أنواع: 

  • منها الكتب التي تهتم بالأساطير، سواء منها الكونيَّة، أو الحربيَّة، أو الخيال العلمي، والتي تُصاغ بطريقةٍ تُثير انتباه الطفل.
  • ومِنها القصص الخرافيَّة، وحكايات الحيوان، والشعبيَّة المعروفة، والقصص الاجتماعيَّة، والعلميَّة، والتاريخيَّة، والدينيَّة، والفُكاهة، والجغرافية.

    ولا ننسى هنا دور المكتبات المدرسيَّة في العمليَّةِ التربويَّة، وخدمة البرامج التعليميَّة وغرس عادة القراءة في نفوس الطلبة، وتشويقهم إلى الكتب.

 إنَّ وجود المكتبات في كُلِّ مدرسة أمرٌ ضروري، وينبغي تشجيع التلاميذ على القراءة، وتشجيعهم على ارتياد المكتبة وتوثيق الصِّلة فيها وبالكتاب، وتنمية مواهبهم، وزيادة معارفهم، والارتفاع بمستواهم. أمَّا عن الإدارة والتنظيم،  فيجب أن يكون العامل في المكتبة متخصِّص ومثقف وله دراسة متخصصة بالمكتبات، ومُهيَّأ لتطوير العمل، وهنا يأتِ أمين المكتبة بالدَّرجة الأولى من حيث الأهميَّة لتحمُّله المسؤوليَّة حيث له دور في تسميه ما يجب شرائه للمكتبة وما هي الكتب التي تستكمل المنهاج وتخلق انسجام مع الواقع التدريسي وتصنع حافز للقراءة، والاعتماد عليه في استمراريَّة مُتابعة استقطاب الطُلاب للمكتبة.