" لو أندرياس سالومي "شاعرة التحليل النفسي وملهمة العمالقة"

عمر الطويل
مثلت " لو أندرياس سالومي " شاعرة التحليل النفسي وملهمة العمالقة" و ما قدمته خلال مسيرة حياتها ككاتبة وأدبية و مفكّرةً إحدى أهم أعمدة الفكر العالمي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين .
"لو أندرياس سالومي" كما ذكرت الأدبية وجدان أبو محمود رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بالسويداء تأبطت حريّتها وخوًضت في وحل العالم متعطشة للمس الجوهر، و أقبلت على تأويل الحياة، في عالمٍ أجمع معظم فلاسفته على تسفيه المرأة ، كما كتبت الرواية والقصّة والنقد والمقالة والشعر والسّيرة الذّاتيّة، بطريقة غير تقليديّةٍ تداخلت فيها الأجناس الأدبيّة، وجنحت إلى استعمال مصطلح "السّيرة الرّوائيّة" لتكون من المجددين في عصرها .


و بينت الأدبية أبو محمود أن" لو" كانت أوّل من حلّلت فلسفة نيتشه الذي وصفها بأنها أذكى امرأة في عصرها، و كذلك أول سيّدةٍ اشتغلت بالتّحليل النّفسيّ في العالم، لتنسف أعراف مجتمعها الأبويّ الفيكتوري حينذاك؛ ، وجاهرت بعلاقاتها العاطفيّة، وتدلّه في غرامها عمالقة الفكر العالميّ، و قدّمت أنموذجاً فريداً وإشكالياً للمرأة التي تشامخت فوق حدود الممكن سعياً إلى المعرفة ولمس المعنى.
وأشارت الأدبية أبو محمود إلى أن ذكرى " لو " طويت بعد موتها نتيجة الظّروف المجتمعيّة المعنّدة في نهاية القرن التّاسع عشر وبداية القرن العشرين، بوصفها المغناج اللّعوب التي أغوت عباقرة العالم، وأودت ببعضهم إلى الجنون والانتحار إلى أن بعثتها مجدّداً حركة النّسويّة الأوروبيّة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي لتعيدَها بقوّةٍ إلى الواجهة كفيلسوفةٍ وعالمةِ نفسٍ كان لها شأنٌ مهيبٌ في زمنٍ لا يعترف بنبوغ الفرد ما لم يكن رجلاً .


و" لو " كما أوضحت أبو محمود ولدت عام / 1861/ م في سان بطرسبورغ ضمن أسرةٍ أرستقراطيّةٍ، مثقّفةٍ، وكانت الأخت الأصغر لخمسة إخوةٍ ذكورٍ، ولحسن حظّها تساهل الوالدان معها تعليميّاً، بعدما رزقا بها في عمرٍ متقدّمٍ، فتعلّمت الموسيقا والرّسم والرّقص والتّزلّج على الجليد ودرست علوم اللاهوت والفلسفة والأديان والآداب على يد الداعية الهولندي المنفتح هندريك جيللو .
وذكرت أبو محمود أن " لو " بعد موت والدها الجنرال الشّهير سافرت برفقة والدتها إلى زوريخ بسويسرا وأصيبت بعد عامٍ من دراسة الفلسفة واللّاهوت وعلم النّفس بمرضٍ في الرّئة، واقترح الأطباء نقاهةً في بلادٍ دافئةٍ؛ فانطلقت الأمّ بابنتها نحو روما وتعرّفت فيها إلى فيلسوف الأخلاق الإنكليزي الدّكتور بول رييه، فتشاركا التجارب الفلسفيّة والرّوحيّة قبل أن ينضم إليهما صديقه الفيلسوف فريدرك نيتشه الذي التقاها عام /1882 / ميلادي فكانت شديدةَ الاهتمام بأفكاره، وأبدت تقارباً عظيماً معه و همس أمامها بجملته الشهيرة "من أيّ نجمين هوينا لنلتقي؟!".
وبينت أبو محمود كيف تلقّت " لو " عرضاً بعد ذلك من عالم اللّسانيات المستشرق فريدريك كارل أندرياس للزواج رفضته ، كما فعلت مع سواه، فهدّدها بقتل نفسه، فوافقت تحت تأثير ما سمّتها لاحقاً "قوةً شرّيرةً لا تقاوم" لكن بشرطٍ ألّا يحدث بينهما أيُّ تقاربٍ جسديٍّ مدى الحياة، و زهدت " لو " بالإنجاب، وهذا ما ندمت عليه لاحقا بحيث تبنت عام/ 1933/ "ماريا أبل" التي اعتنت بها أثناء مرضها، وبدت مشاعر الأمومة جليّةً في روايتها "البيت عام1904"، أمّا في رواية "فينيتشكا 1898" التي حظيت باهتمامٍ نقديٍّ أكثر من أيّ عملٍ آخر فقد تبنّت فيها معضلةً إنسانيّةٍ غير قابلةٍ للحلّ، من حيث الرّغبة في العاطفة والحبّ ورفض الزّواج .
والتقت الأدبية المعروفة " لو " بحسب أبو محمود بالشّاعر الشّاب "رينيه ريلكه" الذي أصبح أحد أضلاع مثلث العظمة في الشعر الألماني الفلسفي ، الذي قرأ لها باستفاضةٍ، وتأثّر بروايتها "راعوث" وبنصّها "يسوع اليهودي"، ومنحها قلبه حدّ دسَّ لها قصيدةً عاطفيّةً بلا اسمٍ كما التقت في مرحلةٍ متقدّمةٍ من حياتها بسيغموند فرويد الذي لقبها بشاعرة التحليل النفسيّ، والفهيمة ذات الذكاء الخارق و جذبها إلى فتوحاته في عالم اللاّوعي، و بدأت رحلتها في مجال التحليل النفسي ويعود إليها الفضل بفكرة العلاج بالقراءة وتسخير أحلام اليقظة .
وبحسب أبو محمود فإن " لو " بعد إنجاز كتابها "نيتشه، فرويد، ريلكه: سيرة عاطفية"، ماتت عن عمرٍ ناهز السّادسة والسّبعين عاماً، قبل أن تشهد وفاة فرويد في العام التالي، لتكون بذلك أوفر حظّاً من غيرها من المفكّرات النّساء اللواتي تعرضن لسوء المعاملة والتعذيب ؛ و استردّ المجتمع المتفهّم ذكراها بعد عشرين عاماً من رحيلها، لتُنشر مذكّراتها تحت عنوان "حياتي".
و بينت أبو محمود أنه على الرّغم من اتّهام " لو " بالنرجسيّة والسّاديّة والسّطو على أفكار أعلام العصر "ولاسيّما فرويد"، تظلُّ مرآةً سايكولوجيّةً، صافيةً، للذّات البشرية الجامحة، المتخبّطة، المقموعة، قدّمت صورةً فكريّةً وإنسانيّةً غير قابلةٍ للتنميط أو النّمذجة، مبينة أنه أمام انقسام الدراسين على تصنيفها لا بد من طرح سؤالا افتراضي: "ترى ماذا لو كانت رجلاً؟!"، هل كانت لتنجو من فخّ السّقوط الأخلاقي؟!، وهل كانت ستحظى بشهرةٍ أدبيّةٍ وفكريّةٍ وافرةٍ بوصفها تلميذة نيتشه وفرويد والمؤثّرة في عددٍ من مفكّري وأدباء عصرها؟!.