مدينة السويداء"سؤادا" عرفت الحضارة منذ الألف الثالث قبل الميلاد

السويداء - سهيل حاطوم - 11 - 12 - 2021 


حملت مدينة السويداء عبر تاريخها الكثير من الأسماء ومن بينها "جيرا نواي" وهي تسمية آشورية معناها الأرض المجوفة، و" ترايهونيتيد" وهي تسمية إغريقية معناها بلاد الحجارة، و" أورانتيد أو أورانتيس" وهي تسمية رومانية معناها بلاد المغرب، و" أمالدانوس"، حيث أسماها الرومان بهذا الاسم لكثرة خيراتها وتوفر ينابيع المياه الصافية فيها، و "باشان" وهو الاسم الذي أطلقه عليها الكنعانيون ويعني بلاد الخصب والماء.


وقد تعاقب على المدينة العديد من الحضارات ولاتزال تحافظ على أوابد متنوعة من المباني ذات الطراز النبطي والروماني والبيزنطي، وقد أطلق عليها خلال العصور القديمة " سؤادا" أي المدينة السوداء وذلك نتيجة طبيعتها البركانية وحجارتها البازلتية السوداء.


وبحسب الباحث في آثار المنطقة ورئيس دائرة آثار السويداء الأسبق / حسن حاطوم/ فقد اشتهرت السويداء بهذا الاسم منذ العصور الكنعانية والآرامية والنبطية، مشيراً إلى أنه وبدءاً من عهد الإمبراطور الروماني " انطونان التقي" أطلق عليها اسم "ديونيسياس " نسبة إلى إله الخمر " ديونيسيوس" والذي كان يقابله " ذو الشراه " عند العرب الأنباط ، حيث يروى أنه كانت تقام أعياد سنوية خلال شهر آب لهذا الإله وتستمر لعدة أيام.


ويبين /حاطوم / أن السويداء عرفت الحضارة منذ الألف الثالثة قبل الميلاد ، وسكنها العرب القدامى خاصة الكنعانيين والآراميين ، وكانت حينها جزءاً من مملكة دمشق الآرامية " أوبه"، كما كانت جزءا من مملكة " باشان " زمن الملك الكنعاني " عوج" الذي امتدت مملكته من جبل الشيخ "الحرمون" حتى نهر الأردن، ثم سكنت من قبل العرب الأنباط الذين استطاعوا إخراج اليونانيين السلوقيين بعد معارك كان آخرها معركة " موتو"،وقضوا فيها على ملكهم "أنطيوخوس الثالث عشر " عام 88 ق.م.


وابتداءً من القرن الأول ق.م انضوت السويداء تحت حكم الإمبراطورية الرومانية "ولاية سورية" ، ثم دخلت ضمن منطقة الولاية العربية التي كانت عاصمتها بصرى بدءا من القرن الثاني الميلادي، وحكمها القائد "كورنيليوس بالما " أحد قادة الإمبراطور "ترايانوس" بين عامي (117-98)م، فازدهرت وتطورت خلال العصرين الروماني ومن ثم البيزنطي، وانتشرت فيها مختلف المباني المدنية والدينية، وغدت مركزاً هاماً من مراكز الحج المسيحي مع مركز قنوات. 


ومن أبرز آثار مدينة السويداء وفقاً لرئيس دائرة آثار السويداء الأسبق البازيليك أو الكنيسة الكبرى التي تطل واجهتها على الشارع المحوري وسط المدينة، ويعود تاريخ بنائها إلى القرن السادس الميلادي، وتقع في الجهة الجنوبية من السويداء القديمة، وتعتبر أنموذجاً معمارياً جميلاً امتزج فيه نمط البازيليك الروماني مع مباني حوران المحلية، والدير أو المجمع الكنسي الذي كان متصلاً بالكنيسة الكبرى وكان مكرساً للقديس يوحنا ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الرابع الميلادي، والكنيسة الصغرى وسط المدينة القديمة إلى الشمال من الكنيسة الكبرى ويعود تاريخها إلى القرن الخامس الميلادي، وسور المدينة وقلعتها وقصر الحاكم وعناصر سكنية كنعانية وآرامية تم الكشف عنها ضمن الحي الشمالي الغربي من المدينة القديمة.


وتشتهر السويداء بمعبدها النبطي وبركة الحج ضمن الحي الشرقي الذي يعود إلى العصر الهلنستي وقبل الروماني، والمسرح الكبير والمسرح الصغير "الأدويون" الذي يعود للفترة الرومانية ويعد أحد طرز العمارة النادرة من خلال وجود الأحرف المنحوتة على كل مقعد من مقاعده ،ومعبد آلهة المياه، وقوس النصر الذي يشكل أحد المعالم الأثرية المهمة لمدينة السويداء والذي يعود إلى العصر النبطي في الفترة ما بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي ويقود إليه شارع مستقيم يمتد من البوابة الغربية الأثرية للمدينة والواقعة إلى الغرب من دوار قصر النجمة باتجاه الشرق.


و تتألف المدينة القديمة بحسب الباحث / حاطوم/ من ثلاثة أحياء تم إنشاؤها خلال عصور مختلفة، حيث تقع في الجهة الشمالية الغربية المدينة الأولى "سؤادا" التي يعود تاريخ بنائها إلى عصور البرونز والحديد (العصور الكنعانية والآرامية ) والجهة الشرقية فيها حي يعود إلى عصر ماقبل الرومان من نهاية العصر الهلنستي، إضافة إلى الجهة الجنوبية وفيها الحي الذي يعود للعصر البيزنطي بدءاً من القرن الثاني الميلادي وحتى القرن السادس الميلادي.
كما تتميز مدينة السويداء بمتحفها الذي يضم العديد من الأوابد الأثرية إلى جانب امتلاكها مقومات ثقافية وحضارية تؤهلها لتكون ضمن الخريطة السياحية الوطنية. الجدير ذكره أن مدينة السويداء شهدت على الأقل ثلاث مراحل للسكن الحضري خلال الأربعة آلاف سنة السابقة لميلاد السيد المسيح عليه السلام في العصور الحجري النحاسي والبرونزي القديم والبرونزي الوسيط، وزارها عدد كبير من الرحالة المؤرخين والآثاريين منذ القرن الخامس عشر وحتى وقتنا الحاضر، وتركوا دراسات وأبحاثاً ومؤلفات قيمة تضمنت وثائق كتابية ومخططات هندسية ومعلومات مهمة حول المواقع الأثرية في المحافظة.